للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السنة السابعة من الهجرة]

[دعوة الملوك إلى الإسلام]

ولَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ، أَرْسَلَ الرُّسُلَ إِلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ كُتُبًا، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْمُلُوكَ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، " فَاتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ، نَقْشُهُ ثَلَاثةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، وَخَتَمَ بِهِ الْكُتُبَ، فَخَرَجَ سِتَّةُ نَفَرٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ، وَأَصْبَحَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ. (١) (٢)


(١) قال بعض العلماء أن ذلك كان معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
(٢) وقد هدفت دعوة الإسلام إلى تخفيف معاناة الإنسان في الحياة، وتحريره من الأوهام والأساطير والخرافات والشعوذة التي يقوم بها منتفعون يزعمون أنهم وسطاء بين الله والناس. وفتحت بصيرة المؤمن على عاقبة ظلم الإنسان لترسي أساساً للعدل السياسي والاجتماعي، وبناء مجتمع العدل والقوة (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) فالكتاب والميزان لإقامة العدل، والحديد لإيجاد القوة التي تحمي العدل وتكفل استمراره على مبدأ المساواة بين البشر دون اعتبار للثروة والجاه ولا اللون أو العرق. وجعلت الشورى أساساً للنظام السياسي والاجتماعي. كما توازن الدعوة الاسلامية بين المطالب الروحية والدنيوية، وتنظر إلى عمران الأرض وزينة الحياة وطيباتها نظرة متفائلة، فلا تطالب البشر بالتبتل والحرمان والنأي عن استثمار الطاقات المتنوعة لمصالحهم، وتربي الأتباع على الإتقان، والإتقان يقابل بمصطلحات العصر (التكنولوجيا)، والإحسان مرتبة عليا فوق الإسلام والإيمان.
وكان من مقاصد الدعوة الاسلامية حفظ النوع الإنساني واستمراره في الوجود، بتشريع الزواج وتحصين الأسرة وتحريم اتلاف النفس البشرية بالقتل أو الانتحار، وهي تفتح أبواب التوبة أمام العالمين مهما بلغت معاصيهم دون الحاجة إلى الاعتراف أمام وسيط أو كشف مستور للآخرين. وتؤكد على التكافل والتعاون بين الناس ابتداءً بصلة الأرحام وانتهاءً بالمجمتع بالحث على السخاء والكرم والإيثار ومراعاة حقوق الجيران، وحماية الملكية الفردية، وحثَّت على دوام تداول الأموال بالاستثمار، ومنعت تبديدها حتى من قبل صاحبها فحجرت عليه إذا كان سفيهاً لا يدرك عواقب إتلاف الثروة، وحرمت الربا والاحتكار منعاً لانحصار المال بأيدٍ قليلة. وكانت عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر تحفز روح المغامرة الجهادية والعلمية والتجارية، وتدفع للبذل والتضحية لبناء الأمة وكيانها الحضاري. واهتمت الدعوة الاسلامية بالعلم فهو فريضة على كل مسلم، ووعدت بالأجر العظيم على طلبه.

<<  <   >  >>