للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[يوسف بن يعقوب عليه السلام]

وكان يوسف وشقيقه الأصغر بنيامين هما أصغر أبناء يعقوب، وأُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ شَطْرَ الْحُسْنِ (١). ولما كان يوسف في سن الطفولة أخبر والده يعقوب عليهما السلام أنه رأى في المنامِ أحدَ عشَرَ كوكبًا والشَّمسَ والقمَرَ يسجدون له، ففهم يعقوب تفضيل يوسف على إخوته بالنبوة والعلم، لكنه خشي على يوسُفَ من حسد إخوته وكيدهم له ومن مكر الشيطان، فأمره ألا يقص هذه الرؤيا على إخوته.

وتشاكى إخوةُ يوسُفَ مِن أبيه فيما بينهم من محبة أبيهم ليُوسُفَ وأخاه الشَّقيقَ الأصغر بنيامين، وذكر بعضهم أن أباهم يعقوب يُفَضِّلُهما عليهم مع أنهم جماعةٌ أكثر عدداً وأكبر سناً وأنفع في خدمة أبيهم من يوسف وأخيه. فقال بعضهم: اقتُلوا يوسُفَ، أو ألقُوه في أرضٍ مجهولةٍ، بعيدةٍ عن العُمرانِ، حتى يَخلُصَ لكم حُبُّ أبيكم، ولا يلتفِتْ عنكم إلى غيرِكم، ثم تتوبوا من ذنبكم بعد قَتْلِ يُوسُفَ أو إبعادِه (٢).

لكن أحدهم نصحهم ألا يقتُلوا يوسُفَ، وأن يكتفوا بإلقائه في جَوفِ البِئرِ حتى يلتَقِطْه بعضُ المارَّةِ مِن المُسافرينَ فيبعد عنهم ويستريحوا منه.

وبعدَ اتِّفاقِهم على إبعادهِ طلبِ إخوةِ يوسُفَ من أبيهم أن يأذنَ في خروجِ يوسفَ معهم، وقالوا لأبيهم: يا أبانا ما لك لا تأمَنُنا على يوسُفَ مع أنَّه أخونا، ونحن نُريدُ له الخيرَ، ونُشفِقُ عليه ونرعاه، ونخُصُّه بخالِصِ النُّصحِ؟ أرسِلْه معنا غدًا يأكُلْ ويَنشَطْ ويَفرحْ، ويلعَبْ بالاستِباقِ ونحوِه، وإنَّا لحافِظونَ له من كلِّ ما تخافُ عليه.


(١) أي نصف كمال الجمال البشري، وقيل: نصف جمال آدم عليه السلام. وأن المقصود بـ (أمه): سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، وهي أم جده إسحاق عليهم السلام.
قال ابن قتيبة: وَالَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ، أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، جَعَلَ لِلْحُسْنِ غَايَةً وَحَدًّا، وَجَعَلَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، إِمَّا لِلْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِلْحُورِ الْعين؛ فَجعل ليوسف عَلَيْهِ السَّلَامُ نِصْفَ ذَلِكَ الْحُسْنِ، وَنِصْفَ ذَلِكَ الْكَمَالِ.
وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ لِغَيْرِهِ ثُلُثَهُ، وَلِآخَرَ رُبُعَهُ، وَلِآخَرَ عُشْرَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَجْعَلَ لِآخَرَ مِنْهُ شَيْئًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ أُعْطِيَ نِصْفَ الشَّجَاعَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنَّ يَكُونَ أُعْطِيَ نِصْفَهَا، وَجُعِلَ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمُ النِّصْفَ الْآخَرَ. وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى؛ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أُعْطِيَ نِصْفَ الشَّجَاعَةِ، يُقَاوِمُ الْعِبَادَ جَمِيعًا وَحْدَهُ.
وَلَكِنْ مَعْنَاهُ: أَنْ لِلشَّجَاعَةِ حَدًّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَجْعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَيُعْطِي غَيْرَهُ النِّصْفَ مِنْ ذَلِكَ، وَيُعْطِي لِآخَرَ الثُّلُثَ، أَوِ الرُّبُعَ، أَوِ الْعُشْرَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(٢) فبيّتوا نيّة التوبة قبل فعل الذنب.

<<  <   >  >>