للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[قصة الذبيح إسماعيل ومناسك الحج]

وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام - لَمَّا أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَسْعَى، فَسَابَقَهُ، فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ (١)، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وكان معه ابنه إسماعيل، فقال إبراهيم لابنه: يا بُنَيَّ إني رأيت في النوم أني أذبحك -ورؤيا الأبياء حق من الوحي- فانظر ما ترى في ذلك، فأجابه إسماعيل: يا أبي، افعل ما أمرك الله به من ذبحي، ستجدني من الصابرين الراضين بحكم الله. وَهُنَاكَ تَلَّهُ لِلجَبِينِ (٢)، وَعَلَى إِسْمَاعِيلَ قَمِيصٌ أَبْيَضُ، فَقَالَ: يَا أَبَتِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي ثَوْبٌ تُكَفِّنُنِي فِيهِ غَيْرُهُ، فَاخْلَعْهُ حَتَّى تُكَفِّنَنِي فِيهِ، فَعَالَجَهُ لِيَخْلَعَهُ، فَنُودِيَ مِنْ خَلْفِهِ: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} فَالْتَفَتَ إِبْرَاهِيمُ، فَإِذَا هو بِكَبْشٍ أَبْيَضَ، أَقْرَنَ (٣)، أَعْيَنَ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى الْجَمْرَةِ الْقُصْوَى، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى مِنًى، قَالَ: هَذَا مِنًى، هَذَا مُنَاخُ النَّاسِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ جَمْعًا (٤)، فَقَالَ: هَذَا الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ إِلَى عَرَفَةَ، وسُمِّيَتْ عَرَفَةَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: هَلْ عَرَفْتَ؟، قَالَ: نَعَمْ.

وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، خَفَضَتْ لَهُ الْجِبَالُ رؤوسها، وَرُفِعَتْ لَهُ الْقُرَى، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ. (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٥). فكان الحج لإقامة ذكر الله وتوحيده والذبح له خالصاً والتقرب إليه بطاعته وفعل أمره.


(١) وفي رواية: "حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ"، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: الشَّيْطَانَ تَرْجُمُونِ، وَمِلَّةَ أَبِيكُمْ تَتَّبِعُونَ.
(٢) أي: وضع إبراهيم ابنه على جانب جبهته. وَلِكُلِّ إنْسَان جَبِينَانِ بَيْنهمَا الْجَبْهَة.
(٣) جاء في الحديث: "إِنِّي كُنْتُ رَأَيْتُ قَرْنَيْ الْكَبْشِ حِينَ دَخَلْتُ الْبَيْتَ، فَنَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَهُمَا فَخَمِّرْهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ ".
أَيْ: تُغَطِّي قَرْنَيْ الْكَبْشِ الَّذِي فَدَى اللهُ تَعَالَى بِهِ إِسْمَاعِيل - عليه السلام - عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ.
قَالَ سُفْيَانُ: لَمْ تَزَلْ قَرْنَا الْكَبْشِ فِي الْبَيْتِ حَتَّى احْتَرَقَ الْبَيْتُ فَاحْتَرَقَا.
(٤) يعنى المزدلفة (المشعر الحرام). وسميت (جمعًا) لاجتماع الناس بها أو لكونهم يجمعون فيها بين صلاتى المغرب والعشاء جمع تأخير.
(٥) جعل الله الكعبة قياماً للناس ومورداً عظيماً دائماً لأهل تلك البلاد في الحج والعمرة، كما جعل المال قياماً للناس، وإليها يتجه المسلمون في صلاتهم كل يوم، وإليها يحجون، وقد احتار الفلاسفة قديماً في ذلك، حتى أنهم زعموا أن للكعبة طلسمات جاذبة للقلوب.

<<  <   >  >>