[حصار الشِّعْب]
فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ نَزَلُوا بَلَدًا، وأَصَأبُوا بِهِ أَمْنًا وَقَرَارًا، وأَنَّ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَنَعَ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- قَدْ أَسْلَمَ، فكَانَ هُوَ وحَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رضي اللَّه عنه- مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصْحَابِهِ، وجَعَلَ الإِسْلَامُ يَفْشُو في القَبَائِلِ؛ لجأت قريشٌ إلى مساومة أبي طالب بأن يعطوه عُمارَةَ بنِ الوَليدِ بنِ المُغِيرَةِ مقابل أن يسلِّمهم رسول الله ليقتلوه حتى لا يتفرق شمل قريش في زعمهم. فقال: أتُعْطُونَنِي ابْنَكُمْ أكْفُلُهُ لَكُمْ، وأُعْطِيَكُمْ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ؟. فرفض وأصر على حماية ابن أخيه.
وقَامَ أَبُو طَالِبٍ في بَنِي هاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ، فَدَعَاهُمْ إلى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مَنع رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والقِيامِ دُونَهُ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وَقَامُوا مَعَهُ، وأجَابُوهُ إِلَى ما دَعاهُمْ إِلَيْهِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي لَهَبٍ عَمِّ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ في ذَلِكَ قَصِيدَةً يَمْدَحُهُمْ، ويُحَرِّضُهُمْ عَلَى مَا وافَقُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الحَدْبِ عَلَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والنُّصْرَةِ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ مِنْهَا:
إِذَا اجْتَمَعَتْ يَوْمًا قُرَيْشٌ لِمَفْخَرٍ ... فَعَبْدُ مَنَافٍ سِرُّها، وصَمِيمُهَا
وَإِنْ حُصِّلَتْ أشْرافُ عَبْدِ مَنَافِهَا ... فَفِي هَاشِمٍ أشْرافُهَا، وقَدِيمُهَا
وَإِنْ فَخَرَتْ يَوْمًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا ... هُوَ المُصْطَفَى مِنْ سِرِّهَا وكَرِيمِهَا
تَداعَتْ قُرَيْشٌ غَثُّهَا وسَمِينُهَا ... عَلَيْنا فَلَمْ تَظْفَرْ، وَطَاشَ حُلُومُهَا
وصَدَحَ أَبُو طَالبٍ بأبْيَاتَهُ المَشْهُورَةَ في نُصْرَةِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقاَل:
واللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ بَجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّدَ في التُّرابِ دَفِينَا
فامْضِي لِأَمْرِكَ ما عَلَيْكَ غَضَاضَةً ... أَبْشِرْ وَقَرَّ بِذاكَ مِنْكَ عُيُونَا
وَدَعَوْتَنِي وَعَلِمْتُ أنَّكَ نَاصِحِي ... فَلَقَدْ صَدَقْتَ وكُنْتَ قِدَمَ أَمِينَا
وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّهُ ... مِنْ خَيْرِ أدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينَا
لَوْلا المَلَامَةُ أَوْ حَذَارِي سُبَّةً ... لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute