للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أبواب الخير والصدقات]

كُلُّ سُلامَى (١) مِنَ النَّاسِ عليهِ صَدَقةٌ، وكُلَّ يَوْمٍ تَطلُعُ فيه الشَّمْسِ تَعدِلُ بَينَ الإثنينِ: صدَقَةٌ. وتُعينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ، فتحمِلُهُ عليها، أو تَرْفَعُ لهُ عليها متاعَهُ صَدَقةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقةٌ، وبِكُلِّ خُطوةٍ تَمشيها إلى الصَّلاةِ صَدَقةٌ، وتُميطُ الأذى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ، ومَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ طَيْرٌ أَوْ دَابَّةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ. وإنَّ بكُلِّ تَسبيحةٍ صَدقةً، وكُلِّ تَكبيرةٍ صَدقَةً، وكُلِّ تَحْمِيدةٍ صَدقةً، وكُلِّ تَهْليلَةٍ صدقةً، وأمْرٌ بِالمَعْروفِ صَدقَةٌ، ونَهْيٌ عَنْ مُنكَرٍ صَدقَةٌ، وفي بُضْعِ أحَدِكُم صَدقَةٌ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟، فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ.

ومَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَنْ يَسَّرَ على مُعسِرٍ، يَسَّرَ الله عَليهِ في الدُّنيا والآخرَةِ، ومَنْ سَتَرَ مُسلِماً، سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيا والآخِرة، واللهُ فِي عَوْنِ العَبْد ما كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخيهِ، ومَنْ سَلَكَ طَريقاً يَلتَمِسُ فِيه عِلماً، سَهَّلَ الله لَهُ بِهِ طَريقاً إلى الجَنَّةِ (٢)، وما جَلَسَ قَومٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله، ويَتَدارَسُونَه بَينَهُم، إلَاّ نَزَلَتْ عليهِمُ السَّكينَةُ، وغَشِيتْهُمُ الرَّحمَةُ، وحَفَّتْهُم المَلائكَةُ، وذَكَرَهُم الله فِيمَنْ عِنْدَهُ، ومَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لم يُسرِعْ بِهِ نَسَبُهُ. والصَّلاةُ نورٌ (٣) والصَّدقَةُ والزكاة بُرهَانٌ (٤)، والصَّبْرُ ضِياءٌ (٥)، والصَّومُ جُنَّةٌ (٦)، والصَّدقَةُ تُطْفِئُ الخَطيئَةَ كَما يُطفئُ الماءُ النارَ، وصَلاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوفِ اللَّيلِ الآخِرِ (٧)، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

ورَأسُ الأمْرِ الإسلامُ، وعَمُودُه الصَّلاةُ، وذِرْوَةُ سَنامِهِ الجهادُ، ومِلاكُ ذلك كُلِّهِ: "كُفَّ عَلَيكَ لسانك"، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجوهِهِمْ -أو على مَنَاخِرِهم- إلَاّ حَصائِدُ أَلسِنَتِهِم؟!


(١) السُلامى: بضم السين: المفاصل، وهي ثلاثمائة وستون مفصلًا. لا تتأتى الحركة والسكون إلا بها، فهي من أعظم نعم الله -عز وجل- على الإنسان، وحق المنعم عليه أن يقابل كل نعمة منها بشكر يخصها فيعطي صدقته - على وجه الاستحباب - كما أعطي منفعته.
(٢) وإضافة لما أنعم الله به على المسلمين من علوم القرآن والسنة -التي هي أشرف العلوم التي ترفع درجة صاحبها- فقد نبغ المسلمون كذلك في مختلف العلوم الدنيوية النافعة وأثروها بالمؤلفات والاختراعات. ومما سبق المسلمون غيرهم في معرفته: الساعات الحائطية، والبريد، والورق، والمدافع، والتكييف عن طريق الجدران، وفن الهندسة المعمارية في الأسقف والقناطر والأنفاق. وعلى تصويبات ابن الهيثم في البصريات استطاع الغرب أن يصنع النظارات، ونسبوها إلى "جون ويلسون" الإنجليزي، وكذلك الصفر والكسور العشرية والكسور الاعتيادية والأرقام العربية لم يعرفها الغرب إلا من المسلمين.
(٣) (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، و "بَشِّرِ المَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ".
(٤) برهان (كوهج الشمس) عَلَى إِيمَانِ فَاعِلِهَا.
(٥) الصَّبْرُ الْمَحْمُودُ الذي لا جزع فيه ولا شكوى للخلق هو (ضِياءٌ) لَا يَزَالُ صَاحِبُهُ مُسْتَضِيئًا به مُهْتَدِيًا عَلَى الصَّوَابِ مع ما فيه من الحرارة والألم.
(٦) أي: هو مَانِعٌ مِنْ الْمَعَاصِي بِكَسْرِ الْقُوَّةِ وَالشَّهْوَةِ.
(٧) أي أنها من أبواب الخير ومما يدخل الجنة ويباعد عن النار.

<<  <   >  >>