للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تحذير البشر من عدوهم الشيطان]

وحذّر الله البشر من شر الشياطين فقال جل وعلا: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ). وإن إبليس قال لربه: بعزتك وجلالك، لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فقال الله: فبعزتي وجلالي، لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني.

ولما كان الشيطان يعلم حدود عقول المخلوقين وأنها لا تحيط بالله علماً؛ فإنه لا يزال يوسوس للناس ويقول: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟. فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَلْيَنْتَهِ، ولْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ (١). إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أمة محمد مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ. (٢)

ويضع إبليس عرشه على البحر وإذا أصبح بث جنوده وسراياه فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده منزلة؛ أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً. ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين امرأته. فيدنيه منه ويلتزمه ويقول: نعم أنت، فيقول: من أضل اليوم مسلماً ألبسته التاج، فيجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى عق والده، فقال: يوشك أن يبره، ويجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته فيقول: يوشك أن يتزوج، ويجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت أنت. ويجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى قتل (٣)، فيقول: أنت أنت، ويلبسه التاج.


(١) وفي رواية: (فَقُولُوا: اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) ثُمَّ لِيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا.
(٢) فإذا رد العبد تلك الوساوس بذكر الله والإيمان به، وانتهى عن الاسترسال في الوساوس، واستعاذ من الشيطان؛ فإن ذاك دلالة على (صريح الإيمان) في قلبه، وعلمه أنه لا يحيط بالله علماً. والحمد لله الذي رد كيد الشيطان إلى مجرد الوسوسة ولم يجعل له سلطاناً على المؤمنين.
(٣) قال عليه الصلاة والسلام: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا , إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا , لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ"، وقال: "وَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ". قال ابن حجر: "ذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَشَايِخِهِ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ سَبَبَ قَتْلِ قَابِيلَ لِأَخِيهِ هَابِيلَ أَنَّ آدَمَ كَانَ يُزَوِّجُ ذَكَرَ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ وَلَدِهِ بِأُنْثَى الْآخَرِ وَأَنَّ أُخْتَ قَابِيلَ كَانَتْ أَحْسَنَ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ فَأَرَادَ قابيل أَن يستائر بِأُخْتِهِ فَمَنَعَهُ آدَمُ فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ أَمَرَهُمَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا فَقَرَّبَ قَابِيلُ حُزْمَةً مِنْ زَرْعٍ وَكَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ وَقَرَّبَ هَابِيلُ جَذَعَةً سَمِينَةً وَكَانَ صَاحِبَ مَوَاشٍ فَنَزَلَتْ نَارٌ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ دُونَ قَابِيلَ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الشَّرِّ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ". ثم رُزِقَ آدم بـ (شيث) عليهما السلام.

<<  <   >  >>