للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الخراب الأول لبيت المقدس]

وقد كَانَ الْيَهُودُ مَعَ مُوسَى عِزّة ولَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ يَدٌ، واسْتَمَرُّوا مَعَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، طَالِبِينَ إِلَى بِلَادِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهِيَ بِلَادُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ فِيهِا قَوْمٌ مِنَ الْعَمَالِقَةِ، فَنَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنْ قِتَالِ الْعَمَالِقَةِ فَشَرَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَمَاتَ فِيهِ هَارُونُ، ثُمَّ مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، ثُمَّ خَرَجُوا بَعْدَهُمَا مَعَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَاسْتَقَرَّتْ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهَا بَعْدَهُ إِلَى زَمَنِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ الَّذِي لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِثْلَ مُلْكِه، ثم تمردوا على شريعتهم وعَبَدُوا الْأَصْنَامَ مَرَّاتٍ، وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ. وكان فِيهِمْ مِنَ التَّنَقُّصِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي سَبِّهِمْ، وَذِكْرِ عُيُوبٍ نَزَّهَهُمُ اللَّهُ عَنْهَا، مَا هُوَ مَعْرُوفٌ. حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ سَاحِرًا، وَأنَّ دَاوُدَ كَانَ مُنَجِّمًا لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ. والْأَنْبِيَاءَ أَخْبَرُوا أَهْلَ الْكِتَابِ بِمَا سَيَكُونُ مِنْهُمْ مِنَ الْإِحْدَاثِ، وَمَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيُخَرِّبُونَ بِلَادَهُمْ وَيَسْبُونَهُمْ.

وَقد قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا. إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}.

فحصل الْخَرَابُ الْأَوَّلُ لبيت المقدس لَمَّا جَاءَ بُخَتُنَصَّرُ في عهد إرميا النبي، ودانيال، وحنانيا، وعزاريا، وميشائيل، بعد أن قتل بنو إسرائيل نبيهم شَعْيَا فِي الشَّجَرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مات ملكهم (صِدْقِيَةُ) مرج أمرهم وَتَنَافَسُوا عَلَى الْمُلْكِ وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ مِنْ نَبِيِّهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ قُمْ فِي قَوْمِكَ أُوحِ عَلَى لِسَانِكَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ عَدَوْا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ فَهَرَبَ فَانْفَلَقَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فَدَخَلَ فِيهَا، وَأَدْرَكَهُ الشَّيْطَانُ فَأَخَذَ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهِ فَأَرَاهُمْ إِيَّاهَا، فَوَضَعُوا الْمِنْشَارَ فِي وَسَطِهَا فَنَشَرُوهَا حَتَّى قَطَعُوهَا وَقَطَعُوهُ فِي وَسَطِهَا. وكذبوا إرميا وَجَرَحُوهُ وَحَبَسُوهُ.

فغزاهم بُخَتُنَصَّرُ وخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَمَرَ بِهِ أَنْ تُطْرَحَ فِيهِ الْجِيَفُ، وَأَتْبَعَهُمْ إِلَى مِصْرَ. وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا وَسَبَاهُمْ إِلَى بَابِلَ، وَكَانَ مِنْ أُولَئِكَ دَانْيَالُ النَّبِيُّ، وَحَنَانِيَا، وَعَزَارِيَا، وَمِيشَائِيلُ، وَبَقِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ خَرَابًا سَبْعِينَ سَنَةً.

<<  <   >  >>