للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[من الأحداث في تبوك]

وفي طريقم إلى تبوك كان ائْتِمَامُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ -رضي اللَّه عنه- في الركعة الثانية من صلاة الفجر حيث تأخر عليه الصلاة والسلام لِقَضَاءَ الْحَاجَةِ.

وقال: "ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي"، قَالَ مُعَاذُ: فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ - وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ - فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ "، فَقَالَا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتْ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى مَا هَهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا".

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ فِي تَبوكٍ إِذَا تَوَضَّأَ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وأخبر أنَّهَا سَتَهُبُّ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ، وَهَبَّتْ رِيحٌ شدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَألقَتْهُ بِجَبَلِ طَيْءٍ. وأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبْنَةٍ في تَبُوكَ، فَدَعَا بِسِكِّينٍ فَسَمَّى وَقَطَعَ.

وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ -رضي اللَّه عنه-، فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا إِلَى أُكَيْدَرَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَدُوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَكَانَ رَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ قَدْ مَلَكَهُمْ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، وَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ". فأسره خالد وأجاره من القتل ففتح له دومة الجندل، ثُمَّ قَدِمَ خَالِدٌ بِأُكَيْدَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وكذلك صَالحَ أَهْلَ أَيْلةَ، و يَهُودُ جَرْبَاءَ على الْجِزيةِ.

وكان جيش تبوك ثلاثين ألفاً، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يلق حرباً من الأعداء، فرجع إلى المدينة منتصراً بعد أن أقام بتبوك عشرين ليلة. وروي أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعَثَ فيها دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرِسَالَةٍ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ. وَكَانَ خُرُوجُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى تَبُوكَ فِي رَجَبٍ، وَعَوْدَتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ.

<<  <   >  >>