ثم كانت غزوة فتح مكة في رمضان، وكان سببها أن المشركين قد نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغاروا مع بني بكر فِي شَهْرِ شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ على إحدى القبائل المحالفة للرسول عليه الصلاة والسلام - وهي قبيلة خزاعة -، ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر واستنصرته خزاعة؛ أمر الناس بالتجهز دون أن يخبرهم بوجهته. وقال:"اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها"، وزيادة في الإخفاء والتعمية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قوامها ثمانية رجال، تحت قيادة أبي قتادة بن رِبْعِي، إلى بطن إضَم، فيما بين ذي خَشَب وذي المروة، على ثلاثة بُرُد من المدينة، في أول هذا الشهر الكريم؛ ليظن الظان أنه صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى تلك الناحية، ولتذهب بذلك الأخبار، وواصلت هذه السرية سيرها، حتى إذا وصلت حيثما أمرت بلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة، فسارت إليه حتى لحقته. وَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ، كَتَبَ حَاطِبُ بنُ أَبِي بَلْتَعَةَ -رضي اللَّه عنه- كِتَابًا إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغَهُ قُرَيْشًا، وجاء الوحي فأرسل رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عليّاً وَالزُّبَيْرَ بنَ العَوَّامِ وَأَبَا مِرْثَدٍ الغَنَوِيَّ إلى رَوْضَةَ خَاخٍ ليحضروا الصَحِيفَةٌ فأتوا بها إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِحَاطِبٍ:"يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ ".