للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقكُمْ". فَقَالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"، فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولَهُ أَعْلَمُ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}. وقد خَرَجَ صلى الله عليه وسلم فِي عاشر رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ فَسَارَ هُوَ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهْوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ - فأَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا. وَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الجُحْفَةَ لَقِيَهُ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِالمُطَّلِبِ -رضي اللَّه عنه- مُهَاجِرًا بِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ إِلَى المَدِينَةِ، وَمَا كَانَ يَعْلَمُ عَنْ أَمْرِ جَيْشِ المُسْلِمِينَ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِهِ فَرَحًا عَظِيمًا. ثم مضى حتى نزل بمر الظهران وهو واد قريب من مكة (١)، وأَخَذَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -وَهُمْ فِي مَرِّ الظَّهْرَانِ- يَجْنُونَ ثَمَرَ الكَباثِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ"، قَالَ: فَقُلْنَا: أَكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا". وَكَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى دِقَّةِ سَاقَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه-، وَهُوَ يَرْقَى فِي الشَّجَرَةِ، فَيَضحَكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ " قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ-صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي المِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ". وأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِإِيقَادِ النِّيرَانِ ليلاً، فَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ، فَكَانَ مَنْظَرًا مَهِيبًا، وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى الحَرَسِ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ -رضي اللَّه عنه-.


(١) ويسمى اليوم: وادي فاطمة.

<<  <   >  >>