للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الزينة وحفظ العرض والنسل]

عشر من الفطرة: قص الشارب (١)، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم (٢)، ونتف الإبط، وحلق العانة (٣)، وانتقاص الماء (٤)، والاختتان (٥). قصوا (٦) الشوارب وأرخوا (٧) اللحى، خالفوا المجوس، خالفوا المشركين، من لم يأخذ من شاربه فليس منا. لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ، والمتفَلِّجاتِ للحُسنِ المغَيِّراتِ خَلْقَ اللهِ (٨).

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ، وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً. الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ، وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ، فَإِنَّهَا مِنَ المَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ، مَا مَسَّتِ الْأَرْضُ مِنَ الْإِزَارِ إِلَى مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ، مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا؛ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا. لعَنَ اللهُ الرجُلَ يلبَسُ لبِسَةَ المرأةِ، والمرأةَ تَلبَسُ لبِسَةَ الرجُلِ (٩). غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنَ العَوْرَةِ (١٠)، واحْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ (١١)، إنا نُهِينا أن تُرى عوراتُنا، إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ، مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ، فَلَا دِيَةَ لَهُ، وَلَا قِصَاصَ. المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ (١٢)، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ رَبِّهَا إِذَا هِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا، وخَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ. لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، الحَمْوُ المَوْتُ (١٣). لأَنْ يُطعنَ في رأسِ أحدِكُم بِمخْيطٍ مِنْ حديدٍ؛ خيرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرأةً لا تَحِلُّ لَهُ،


(١) وفي رواية: (وتقصير الشارب).
(٢) (البراجم): العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ، الواحدة برجمة بالضم.
(٣) العانة: هي الشعر المحيط بالفرج.
(٤) أي: الاستنجاء بالماء.
(٥) الختان: قطع الجلدة والحشفة الزائدة التي تكون على الفرج من الذكر أو الأنثى.
(٦) وفي روايات: (أحفوا) و (جزوا).
(٧) وفي روايات: (وفروا) و (أعفوا).
(٨) الواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، والمستوصلة: التي تطلب من يفعل بها ذلك. والوشم: غرز إبرة أو نحوها حتى يسيل الدم، ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو غيره فيخضر أو يتلون بلون آخر، ومنه ما يسمى اليوم بالتاتو. والنامصة: التي تزيل الشعر من الحاجب، والمتنمصة: التي تطلب منها فعل ذلك. والمتفلجات أي: مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات فتجعل بينها فراغات. ونهي أيضاً عن وشر الأسنان وتحديدها وبردها لتكون في مستوى واحد. ونَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ (القَزَعِ)، وهو: أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُ الصَّبِيِّ فَيُتْرَكَ بَعْضُ شَعْرِهِ.
(٩) و لعن رسول الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ.
(١٠) (العورةِ): أصلُ إطلاقِهِا على النقصِ والخَلَل، ولما كان صاحبُ النقصِ يَكْرَهُ أن يُرى وينكشِفَ نَقْصُه، دخَلَ في معنى (العَوْرةِ) كُلُّ ما يَشْترِكُ في كراهةِ رؤيَتِهِ عقلاً أو شرعاً أو عُرْفاً. ولما كان اللهُ يَكْرَهُ أن يَكْشِفَ الرجالُ والنساءُ مواضعَ معيَّنةً مِن أبدانِهم، سُمِّيتْ عورةً، ولما كانَتِ المرأةُ العفيفةُ تكرَهُ أن يَنظُرَ إلى شيءٍ مِن جسمِها رجلٌ غيرُ زوجِها غريزةً وشَهْوةً، سُمِّيَ المنظورُ إليه عورةً. من شروط لباس الرجل أن يكون ساتراً لا يكشف العورة وهي ما بين السرة إلى الركبة، ولا يكون ضيقاً بحيث تبدو منه تفاصيل الجسم، وأن يكون فوق الكعبين، وأن يجتنب الإسراف والشهرة، ولا يتشبه بالكفار في لباسهم الخاص بهم، ولا يشبه لباس المرأة، وأن يجتنب ما ورد فيه النهي كالحرير وجلود السباع والجلود النجسة.
(١١) (مِلْك اليمينِ) هنا يقصد بها (الأَمَة): وهي المرأة التي ثبت عليها الرِّق فتكون مملوكة لسيدها، ولا يثبت الرق بالاختطاف أو ببيع الأب بنته بسبب الفقر ونحو ذلك كما في الجاهلية، وإنما يثبت الرق في الإسلام بأحد طريقين:
الأول: أن يقع الكافر أسيراً في أيدي المسلمين إثر حرب بين دولة الإسلام ودولة الكفر، ويأذن إمام المسلمين باسترقاقه لمصلحة أو معاملة بالمثل مع فارق إكرام الرقيق في الإسلام، وله أن يأمر بقتل الأسير، أو إطلاق سراحه بمال أو بدون مال، حسب ما يراه من المصلحة للمسلمين، وهذه الأحكام سارية في هذا العصر وإلى يوم القيامة.
الثاني: أن يكون مستولداً من أمة مسترقة، إذا كان من غير سيدها فيكون رقيقاً- يعني العبد أو الأَمَة- حتى تتاح له فرصة فيعتق مجاناً أو بمكاتبة.
وعلى هذا فلا يثبت الرق في حرب وقعت بين طائفتين من المسلمين في أي عصر من العصور، ولا يثبت الرق على الأسير الكافر إذا أمر إمام المسلمين بقتله أو إطلاق سراحه بمال أو مجاناً، لمصلحة المسلمين، ولا يثبت الرق على العبد المعتَق، ولا على الحر. والرقيق يتملكه سيده ويباع ويشترى مِمَّنْ يَمْلِكُهُ مِلْكًا صَحِيحًا مُعْتَرَفًا بِهِ شَرْعًا، وَكَذَا بالْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمِيرَاثُ وَغَيْرُهَا مِنْ صُوَرِ انْتِقَال الأْمْوَال مِنْ مَالِكٍ إِلَى آخَرَ.
وجاء الإسلام وأقر الرق لمصالح كثيرة، منها: أن الأسير الكافر إذا استرق وبقي بين أظهر المسلمين فإنه يبدأ حياة جديدة يتعرف فيها على أحكام الإسلام وآدابه، وعلى عدله وسماحته، فينشرح صدره للإسلام، ويحبب الله إليه الإيمان، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، لا سيما إذا كان أهل الإسلام على قدر من الخلق وحسن المعاملة، فإذا خالط الإيمان بشاشة قلبه، كان ممن يتشوق الإسلام إلى مكاتبته أو عتقه مجاناً، كما دل على ذلك تشريع سائر الكفارات، ككفارة القتل الخطأ والإفطار في رمضان والحنث في اليمين والظهار وشجع على مكاتبة الرقيق وتيسير دفع ما يلزمه، وجعل عتق الرقاب من الكفارات، وأمر بالإحسان إلى الرقيق حتى تحين الفرصة لعتقه، والوصايا في ذلك كثيرة يكفى منها مراعاة شعوره، فلا يقال له: عبدى أو أمتى، بل يقال: فتاي وفتاتي، أو غلامي وجاريتي. مع إكرامه في مطعمه وملبسه كما في الحديث:" هم إخوانكم وخَوَلكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم". فلا يأمر السيد عبده أو أمته بمعصية الله ولا ينهاه عن طاعته، وعليه أن يحافظ على حياة عبده، فلا يقتله أو يجرحه، أو يؤذيه في بدنه، ولا يكلفه بأعمال شاقَّة فوق طاقته، ولا يجبره على تغيير دينه، وعليه إطعامه وكسوته وإسكانه، قدر حاجته وكفايته، وأن ينفق عليه إذا مرض أو عجز عن العمل أو كان صغيراً، وأن يسعى في إعفافه إذا كان أعزباً فيزوِّجه خشية انحرافه، ولا يجبره على الزواج بمن لا يرضاها، وإذا كان العبد متزوجًا فعليه أن يمكنه من الاستمتاع بزوجته ليلاً، ولا يجبره على تطليق زوجته.
ومما يجب معرفته من أحكام الإماء: أن من تُسبى من النساء لا تكون متعةً مشاعةً لكل أحد من المسلمين، بل هي لمن تقع في سهمه من المسلمين فقط، فهي رقيقة مملوكة لسيّد واحد منهم، لا يجوز له أن يُجبرها على معاشرة غيره من المسلمين. وشرع مِلك اليمين واسترقاق الجواري؛ حرصًا عليهن من أن يتشرَّدن فيتعرَّضن للإهانة في شرفهن وكرامتهن، ومن انتشار الفساد إذا تُركنَ بغير مُعِيل يعيلهن ولا راعٍ يرعى شؤونهن. وأبيح التسري بالإماء دون تحديد بعدد؛ فلمالك الأمة أن يطأها (يجامعها) بملكه إياها- أي: بلا عقد زواج عليها- فهذا معنى وطء الأمة بملك اليمين، وهو (التسري)، ويكون بعد الاستبراء بحيضة؛ للتأكد من عدم حصول حملٍ من زوجها قبل معاشرة مالكها لها. وشرع تسري السيد بأمته لأنها غالباً ستنضم إلى عياله وأهله، وليحصل الإعفاف لكل منهما بدلاً من أن يقعا في الحرام أو تلجأ الجارية إلى فعل الفواحش والمنكرات في المجتمع، وفي هذا معاملة كريمة لها؛ إذ إنها بذلك تعامل معاملة سيدتها، فيستمتع بها كما يستمتع الزوج بزوجته، سواء ولد له منها أم لا. والأمة إذا عاشرها مالكها فحملت منه وولدت؛ فقد صارت (أم ولد)، وأم الولد تخرج من الرق الكامل خروجاً جزئياً بمجرد الوضع للمولود، فلا يجوز بيعها لأنه يؤدي إلى التفريق بينها وبين ولدها، ثم إنها تعتق عتاقاً كاملاً وتُصبح حرة بمجرد موت سيدها. وقد تسرّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته مارية القبطية، وولد له منها إبراهيم، وليست من زوجاته، وليست من أمهات المؤمنين. وروي أن هاجر كانت أمة لسارة فوهبتها لإبراهيم عليه السلام، وكان التَّسَرِّي على الزوجة مباحاً في شريعة إبراهيم، وقد فعله الخليل إبراهيم في هاجر لما تسرَّى بها على سارّة، وقد حُرِّم مثل هذا في التوراة عليهم. وكذلك كان الجمع بين الأختين شائعاً، وقد فعله يعقوب عليه السلام، جمع بين الأختين ثم حُرِّم ذلك عليهم في التوراة.
وإذا سُبي الرجل مع زوجه ووقعا تحت ملك رجل واحد من المسلمين، فيبقى زواجهما على ما هو عليه، ولا يجوز لمالك الأمة حينئذ معاشرتها، بل عليه أن يمكنها من معاشرة زوجها ليلاً، إلا أن يفرق بينهما ببيع أحدهما لمالك آخر، فيكون هذا كالطلاق، ولَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى جَارِيَةً، وإنما يتزوجها بإذن سيدها. ولا يجوز للمسلم الحر أن يتزوج أمة إلا إذا لم يجد مهراً يتزوج به حرة مؤمنة عفيفة، فبذلك يجوز له أن يتزوج أمة بإذن سيدها، بشرط أن تكون مؤمنة، عفيفة، فلا يتزوج أمة كافرة كتابية أو غير كتابية، ولا أمة غير عفيفة، وولدها يكون رقيقاً تابعاً لسيدها.
ولما كانت الإماء تكثرُ إليهن الحاجة في الاستخدام وأمورِ المهنة وكنّ مبتذلاتٍ بكثرة الذهاب والمجيء وبالبيع والشراء وهن يحتجن في مثل هذا إلى أن كشف الوجه والرأس والكفين ولكون فرضُ الحجاب عليهن مما يشقُ مشقةً بالغة؛ كان من رحمة الله بعباده أنه لم يفرض عليهن الحجاب كما فرضه على الحرائر، ودليلُ ذلك النص واتفاق السلف، والإماء في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام كُنَّ لا يحتجبن كالحرائر؛ لأن الفتنة بهنَّ أقلُّ، فَهُنَّ يُشبهنَ القواعدَ من النِّساء اللاتي لا يرجون نكاحاً، وقد فرق العلماء بين الأمة البَرْزَة (وهي التي تبرز كثيراً كالرجل) وبين الأمة الخَفْرَة (وهي التي لا تظهر غالباً، وإنما تكون في البيت). وروي عن عمر أنه كان إذا رأى أَمَةُ مُختَمِرة، ضرَبها -بالدرة ضرباً خفيفاً للزجر- وقال: أتتشبهين بالحرائر؟، وهذا في إماء الاستخدام والابتذال اللاتي يبرزن ولا يفتتن بهن. وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن والإماء الحِسَان الوجوه، فلسن كالإماء المبتذلات، ويجب عليهن ستر كلَّ بدنهن عن النَّظر، لأن المقصود من الحجاب في باب عورة النظر هو ستر ما يُخاف منه الفِتنة، ولم يطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال، وإذا خشي الناظر الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب.
واتفق العلماء على وجوب احتجاب المرأة أمام العبيد الأجانب الذين لا تملكهم، أما بالنسبة لعبدها الذي تملكه فقد أجاز فريق من العلماء أن ينظر المملوك إلى الوجه والكفين من مولاته للحاجة فقط ما دامت مالكة له كله، فإذا زال الملك أو بعضه لم يجز النظر، وأنه بذلك لا يعد كمحارمها، فلا يجوز له الخلوة بها ولا السفر معها، ولأنها لا تحرم عليه على التأبيد، ولا يحل له استمتاعها، فلم يكن محرمًا كزوج أختها؛ ولأنه غير مأمون عليها، إذ ليست بينهما نفرة المحرمية، والملك لا يقتضي النفرة الطبيعية، بدليل السيد مع أمته، وإنما أبيح له من النظر ما تدعو الحاجة إليه، كالشاهد والمبتاع ونحوهما، وليس في هذا ما يوجب أن يكون محرمًا يسافر بها، كغير أولي الإربة، فإنهم يجوز لهم النظر وليسوا محارم يسافرون بها، فليس كل من جاز له النظر جاز له السفر بها ولا الخلوة بها، بل عبدها ينظر إليها للحاجة وإن كان لا يخلو بها ولا يسافر بها، فإنه لم يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع زوج أو ذي محرم) فإنه يجوز له أن يتزوجها إذا عتق، كما يجوز لزوج أختها أن يتزوجها إذا طلق أختها، والمحْرَم هو: من تحرم عليه على التأبيد. وإذا تحرر العبد ولم يعد ملكًا للمرأة فلا خلاف في وجوب احتجاب المرأة منه، وأنه لا يجوز له أن ينظر إليها، بل يحرم عليه ذلك؛ لأنه صار كغيره من الرجال الأجانب، إلا إن كان من التابعين غير أولي الإربة أو من الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء.
والرق في الإسلام حكم شرعي لا يجوز إلغاؤه بالكلية وإنما تلغى أسبابه غير الشرعية، وكانت آخر وصية للنبي عليه الصلاة والسلام (الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم). وانظر إلى روعة مقولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا"، ويقصد عتق سيدنا بلال رضي الله عنهم أجمعين. وكَانَ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا كَانَ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ: الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" فأوصى بالإماء والعبيد والتأكيد على حسن معاملتهم. أما في الحضارة الغربية فظهرت أنظمة الطبقية وتقسيم الناس إلى رجال دين ونبلاء وعامة، وتم فيها المتاجرة بالبشر في الدعارة والجنس وبيع الأعضاء، وتم اصطياد واستعباد ذوي البشرة السوداء واقتيادهم مسلسلين في البواخر، والزعم بأن السود عبيد، وتم نهب ثروات بلدانهم، وتقطيع أرجل السود في مزارع القطن حتى يعملوا ولا يهربوا، وقد قدر البروفيسور الفرنسي "تزفيان" في كتابه "مصرع الديمقراطية" عدد من استعبدهم الغرب من الأفارقة السود بمائة مليون إنسان، ثم بعد ذلك كله ترى الغرب يتفاخر زوراً بأنه حرر الرقيق وألغى الرق!!
(١٢) مِن أعظمِ أصولِ الفطرةِ: فطرةُ العفافِ، وكان آدَمُ وحواءُ يستترانِ لنَفْسَيْهِما، لا وجودَ لبَشَرٍ معهما {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}.
ويتبع العفافَ شرائعُ كثيرةٌ؛ كغَضِّ البَصَرِ، وخَفْضِ صوتِ المرأةِ، وعدمِ خضوعِها به، والحجابِ، وإخفاءِ المفاتِنِ منعاً للإثارةِ، وعدمِ الاستهانةِ بالخلوةِ، والفصلِ بين الجنسَيْنِ، وتركِ الغَزَلِ، وعدمِ اتخاذِ الأصدقاءِ بين الجنسَيْنِ، وغيرها.
وكما أن التوحيدَ أصلُ العباداتِ، فالفطرةَ هي أصلُ المُرُوءاتِ. ولعِظَمِ هذا الأصلِ الفِطْرِيِّ؛ العفافِ؛ خلَقَ اللهُ في الإنسانِ الغَيْرَةَ على غيرِه. وجعل حفظ الأعراض من الضرورات، وجعل مجرَّدَ قذفِ البريءِ بالزنا، مُهلِكٌ ومُوبِق، فكيف بفعله أو إشهارِه وإذاعتِه؟!!
وشدَّدَ اللهُ على الرجُلِ في غَضِّ البصرِ لأن افتتانُه بالمرأةِ أقوى، ولأنه أجسرُ في الإقدامِ على الزنى، وشدَّدَ على المرأةِ في الحجابِ؛ حتى يَقِلَّ ما بينهما مِن تجاذُبٍ ومَيْلٍ، ولا يعني هذا أنه يجوزُ للرجلِ إبداءُ مفاتِنِه؛ فيَفْتِنُ، ولا أنه يجوزُ للمرأةِ إطلاقُ بصَرِها؛ فتُفْتَن. فإذا لم يَغُضَّ الرجلُ بصَرَه، فإنَّ المرأةَ تدفَعُ فتنَتَه بحجابِها، وإن لم تتحَجَّبِ المرأةُ فالرجلُ يدفَعُ فتنَتَها بغَضِّ بصرِه. ويجوزُ النظرُ للمرأةِ العجوزِ التي لا يفتتن بها، ويجوز نظَرُ الخاطب إلى المخطوبةِ، ونظرُ القاضي للتعرُّفِ على أحدِ الخصمَيْنِ إن كان امرأةً؛ أو لإدلاءُ المرأةِ بشهادةِ.
وكان تبرُّجُ الجاهليةِ الأولَى الذي نَهَى اللهُ عنه في قولِه: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} بين عهد نُوحٍ وإدريسَ -قبلَ وُجودِ العربِ- أنَّهُنَّ كُنَّ يُلْقِينَ الخمارَ على رؤوسِهِنَّ ولا يَشْدُدْنَه، ومع ذلك نهى اللهُ عنه. وكثيرٍ مِن نساء العربِ قبل الإسلام لم تكن المرأة فيهن تكشِفُ وجهَها إلا في الإحرامِ للنُّسُكِ، وكن يلبسن البراقع والوصاوص، لكن الشيطان أضل أهل الجاهلية من العرب فكان فيهم طوافُ العُرَاةِ حولَ الكعبةِ، وشِعْرٌ فاحشٌ، وغَزَلٌ ماجِنٌ، وتساهُلٌ بزنى الإماءِ والتكسُّبِ منهنَّ. وكانوا يُفَرِّقُون بين الحُرَّةِ والأَمَةِ بكشفِ الوجهِ، والحرائرُ لا يكشفْنَ إلا عندَ الشدائدِ والحروبِ عندَ خوفِ السَّبْيِ والأسْرِ؛ ليَرَاهُنَّ العدوُّ فيحسبهن إماءً، فيَتْرُكَهُنَّ زُهداً بهن.
ولما كان اللهُ يَكْرَهُ أن يَكْشِفَ الرجالُ والنساءُ مواضعَ معيَّنةً مِن أبدانِهم، سُمِّيتْ عورةً، ولما كانَتِ المرأةُ العفيفةُ تكرَهُ أن ينظُرَ إلى شيءٍ مِن جسمِها رجلٌ غيرُ زوجِها غريزةً وشَهْوةً، سُمِّيَ المنظورُ إليه عورةً.
وكثيرٌ مِن الكُتَّابِ يخطئ فينقُلُ أقوالَ الفقهاءِ عندَ كلامِهم على لباسِ المرأةِ في الصلاةِ: «المَرْأَةُ عَوْرةٌ إلا وَجْهَها وكَفَّيْها»، ويجعلُها في أحكامِ النظرِ، ولا يفرِّقُ بين عورةِ الصلاةِ والسَّتْرِ، وبين عورةِ النظرِ، فالمرأةُ يجبُ عليها أن تستُرَ كلَّ شيءٍ في صلاتِها إلَّا وجهَها وكَفَّيْها، ولو كانت في بيتِها وحدَها.
وقد نَصَّ الفقهاءُ مِن المذاهبِ الأربعةِ على أنَّ المرأةَ إن كانت في الصلاةِ وعندَها أجانبُ، أنَّها تستُرُ وجهَها، لأنَّ كشفَ وجهِ المرأةِ وكَفَّيْها في الصلاةِ ليس مِن واجباتِ الصلاةِ بالإجماعِ، ولكنَّ تغطيةَ غيرِ الوجهِ والكفينِ واجبٌ؛ فيجبُ التفريقُ بين ما يجبُ سترُه وما يجوزُ كَشْفُه؛ فللمرأةِ أن تُغطِّيَ وجهَها في الصلاةِ بسببِ مرورِ رجلٍ أو غُبَارٍ أو رِيحٍ كريهةٍ ولا تبطُلُ صلاتُها.
وحُرِّم حالَ الإحرامِ على المرأةِ مِن اللباسِ نوعَيْنِ: النِّقابَ، والقُفَّازَ؛ لأنهما مفصَّلان على الأعضاء. وتحريمُ لباسٍ معيَّنٍ لا يعني كشفَ العضوِ؛ فالحكمُ يتعلَّقُ باللباسِ لا بما تحتَه؛ فلو غطَّتِ المرأةُ وجهها أو كفَّيْها في الإحرام بثوبٍ؛ لم تَأثَمْ. لكن لو لَبِسَتْ قُفَّازاً؛ أثِمَت، فالحكمُ لِلِّباسِ لا للعُضْو.
وأجمَعَ العلماءُ مِن جميعِ المذاهبِ الأربعةِ وغيرِها: أنَّ تغطيةَ وجهِ المرأةِ الحُرَّةِ الشابَّةِ عندَ خوفِ الفتنةِ بها: واجبٌ؛ خاصَّةً عندَ مَن يُطْلِقُونَ أبصارَهم إليها، ولا تَحْترِزُ منهم إلا بتغطيةِ وجهِها.
وفَسَّرَ آية إدناءَ الجلابيبِ بتغطيةِ الوجهِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما فقال: «أمَرَ اللهُ نساءَ المؤمِنِين إذا خَرَجْنَ مِن بيوتِهِنَّ في حاجةٍ أنْ يُغطِّينَ وجوهَهُنَّ مِن فوقِ رؤوسِهِنَّ بالجلابيبِ، ويُبْدِين عيناً واحدةً»، وقالت عائشةَ رضي الله عنها: «تَسْدُلُ المرأةُ جلبابَها مِن فوقِ رأسِها على وجهِها». وفي قصة الإفك قالت عائشة: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا , أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا , خَرَجَ بِهَا مَعَهُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا " , فَخَرَجَ سَهْمِي , فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ .. "، ثم قالت عن صفوان بن المعطل رضي الله عنه: " .. وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ". فدل أنهن كن يستترن ويغطين وجوههن بعد نزول الأمر بالحجاب، وأمهات المؤمنين أبعد النساء من الريبة ولا يطمع فيهن أحد، ومع ذلك أمرن بالحجاب وتغطية وجوههن حتى لا يعرفن، فغيرهن من باب أولى.
ومعنى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي في الزينةِ الظاهرةِ للمحارِمِ مِن النَّسَبِ والرَّضَاعِ، وليستْ للأجانِبِ؛ فالسلف لا يختَلِفُون في جوازِ كشفِ المرأةِ وجهِها للأقرَبِين؛ وإنَّما يذكُرُون الوجهَ اختصاراً لإجازةِ زينَتِه تبعاً مِن الكُحْلِ والقُرْطِ، ويذكُرُون اليَدَ اختصاراً ليدخُلَ فيها زينَتُها مِن الخاتَمِ والخضابِ والسِّوَارِ، ولا يَعْنُون الوجهَ بذاتِه، ولا اليدَ بذاتِها.
والثيابَ التي رخَّصَ اللهُ بوضعِها للعجوزِ هي ما تختَصُّ بسترِ الوجهِ، وحُكي الإجماعُ على أنَّه لا يجوزُ للعجوزِ أنْ تكشِفَ شَعْرَها للأجانِبِ مهما بلَغَ سِنُّها، ورخَّصَ اللهُ للقاعِدِ مِن النساءِ وَضْعَ جلبابِها وكَشْفَ وجهِها؛ ولكنَّه منَعَها مِن الزينةِ، ثمَّ فضَّلَ لها الستر بالجلبابِ.
ورخص في كشف الوجه للأمة والعجوز ما لم يحصل بهن فتنة وهو ما يندر، أما كشف الشعر فلم يرخص فيه لا للعجوز ولا لغيرها.
ولم يتكلَّمْ مالكٌ وأبو حنيفةَ والشافعيُّ في مسألةِ كشفِ المرأةِ لوجهِها لذاتِه، ولا يُعرَفُ هذا في كتبِهم ولا في مسائلِ أصحابِهم المُقَرَّبِينَ منهم، وإنما يتكَلَّمُون في مسألةِ وجهِ المرأةِ وكفَّيْها عندَ تعلُّقِها بمسألةٍ أُخرى مِن العباداتِ أو المعاملاتِ؛ كالصلاةِ والحجِّ، والعُقُودِ والخِطْبَةِ؛ وذلك لأنَّ المسألةَ عندَهم ظاهرةٌ في أنَّ الأصلَ في النساءِ الحرائرِ السَّتْرُ والعفافُ وتغطيةُ الوجهِ.
أما الأحاديث التي أشكلت على بعض المتأخرين كحديث قِصَّةُ دخول أسماءَ بنتَ أبي بكرٍ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رِقَاقٌ؛ فليس له سند يحتج به. ومِن وجوهِ نكارته أنَّ أسماءَ معروفةٌ بِسَتْرِها لوجهِها وكَفَّيْها عندَ الرجالِ، والثابت بسندٍ صحيحٍ عن فاطمةَ بنتِ المنذِرِ قالَتْ: «كُنَّا نُخَمِّرُ وجوهَنا ونحنُ مُحْرِمَاتٌ مع أسماءَ بنتِ أبي بَكْرٍ».
وأما حديثُ المرأةِ الخَثْعَميَّةِ فقد صحَّ أنَّ الخَثْعَميَّةَ جاريةٌ شابَّةٌ وأنها عُرِضَتْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَجِّهِ ليَرَاها فيتزَوَّجَها. وهذا الوصفُ: (جاريةٌ شابَّةٌ) يُطلَقُ عادةً على الإماءِ، لا على الحرائِرِ، والأَمَةُ ليستْ مخاطَبةً بالجلبابِ وتغطيةِ الوجهِ كالحُرَّةِ. وهذا الحديث لم يكن العلماء المتقدمون يستدلون به على كشفِ المرأةِ الحُرَّةِ لوجهِها؛ وإنما يُورِدُونَه في الحكمِ المتعلِّقِ بنظرِ الرجلِ لا كشفِ المرأةِ؛ لأنَّ حكمَ تغطيةِ الوجهِ خاصٌ بالحُرَّةِ، والنظَرُ المحَرَّمُ عامٌّ للجميعِ؛ للحرةِ والأَمَةِ.
وأما حديثُ سُبَيْعةَ الأَسْلَميَّةِ وتزينها وعدتها من وفاة زوجها، فالأصلُ أنَّ سُبَيْعةَ الأسلميةَ مولاةٌ كزَوْجِها. والنبيَّ صلى الله عليه وسلم هو الذي أنكَحَها؛ وهذا لا يكونُ في الحرائِرِ؛ فإنَّ الحُرَّةَ يزوِّجُها عادةً أهلُها، كما أنه ليس في الحديث أنَّها كانَتْ كاشفة لوجهِها؛ وإنَّما رأى أبو السنابِلِ زينَتَها، واستنكَرَ ذلك؛ يَظُنُّها في عِدَّتِها، والمعتدَّةُ بوفاةِ زوجِها مُنِعَتْ مِن الخِضَابِ، وهو في الكفِّ، ومِنَ الكُحْلِ وهو في العَيْنِ لا يستُرُه النِّقَابُ، وحيث أنَّ أبا السنابِلِ قد يكون دخَلَ عليها راغِباً بالخِطْبَةِ لها؛ وهذا جائِزٌ؛ وفي «البخاري»: «وكان أبو السنابِلِ فِيمَنْ خَطَبَها» وكون ذلك في حُجْرَتِها، ولم تكنْ بارِزةً بزينَتِها في الطُّرُقاتِ.
وأما حديث (سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ) فـ «السَّفْعَةُ» شُحُوبٌ وسوادٌ أو تغيُّرٌ، وغالباً ما يُصِيبُ كِبارَ السِّنِّ أو الجوارِيَ؛ لكثرةِ بُرُوزِهِنَّ. ويؤيد ذلك روايةِ: «مِنْ سَفِلَةِ النِّسَاءِ، سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ». يعني: مِن أَقَلِّ النساءِ شأناً؛ ليبيِّنَ أنها ليستْ مما تَفتِنُ الناظرَ إليها، وقد تكون من القواعد، والمحكم يغني عن المتشابه.
ومعنى (المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ): أصل الإشراف وضع الكف فوق الحاجب في رفع الرأس لينظر، والمراد أن الشيطان يرفع بصره إليها ليغويها أو يغوي بها فيوقع أحدهما أو كلاهما في الفتنة ويحتمل أن يراد به شيطان الإنس وهو الفاسق فإنه إذا رآها بارزة طمح بنظره إليها فأغواها وغوى، فما دامت في خدرها لا يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس بها فإذا خرجت طمع وأطمع لأنها من حبائله، وهو حث للنساء لزوم البيوت. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى النساء اليوم؛ نهاهن عن الخروج، أو حرم عليهن الخروج، لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ فِي مُرُوطِنَا، وَنَنْصَرِفُ وَمَا يَعْرِفُ بَعْضُنَا وُجُوهَ بَعْضٍ، يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ؛ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ): شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. ودخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى حفصة خمار رقيق، فشقّته عائشة وكستها خماراً كثيفاً. ولما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ"، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: "يُرْخِينَ شِبْرًا"، فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: "فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ". ومما بينه العلماء من شروط حجاب المرأة المسلمة: أن لا يكون زينة في نفسه مزخرفاً ومزيناً يلتفت أنظار الرجال، وأن يستوعب جميع البدن إلا ما استثني، وألا يشف عما وراءه، وأن يكون فضفاضاً -غير ضيق- لا يصف شيئاً من جسمها ولا يحدد حجم الأعضاء، ولا يكون مبخراَ مطيباَ عند الخروج من المنزل والمرور بأماكن الرجال غير المحارم، وألا يشبه لباس الرجال ولا لباس الكافرات الخاص بهن، ولا يكون لباس إسراف وشهرة، ولا يكون من من جلود نجسة كجلود السباع ونحوها. وإنَّ من عنصرية الغربيين وتخلفهم، أنهم يقرّون الحجاب اليهودي وأنّ من حق اليهودية أن تكون محجبةً، أما المرأة المسلمة فلا حق لها في الحجاب عندهم، وإذا تحجبت فهي عندهم إرهابية أو محرضة على الإرهاب، وفرنسا تضع على المرأة المسلمة غرامة إذا لم تكشف شعرها، وتحظر عليها دخول الجامعة، فأين الحرية والتنوير المزعوم والمساواة؟، ومن التناقض والعنصرية في المجتمعات الغربية أنَّ من حق الأرثوذوكس أن تكون لهم حافلات خاصة يركب فيها الإناث فقط، أما إذا فعل ذلك المسلمون؛ فيصفونه بأنه تمييز ضد المرأة، وأنه تقليد فارسي نقله العرب إلى بيئتهم الصحراوية! وينبغي للمجتمع المسلم مراعاة الحقوق الأصيلة للمرأة المسلمة التي لازات تطالب بها، ومن أهمها: تعليمها أمر دينها وما ينفعها ويقربها إلى الله، وأن تحفظ كرامتها بالإنفاق عليها من قبل ولي أمرها أو ولي أمر المسلمين، وبمنحها مسكناً ملائماً لها، وخادمة إن احتاجت لها، وإذا كان لا بد لها من أن تعمل فليكن ذلك في المكان المناسب لها، والذي لا يخدش عفتها وكرامتها، وليكن تعيينها حيث تريد أو لأقرب مكان إليه، ومنحها إجازة حمل وأمومة مدفوعة الراتب، وتمنح مكافأة لكل مولود من بيت مال المسلمين كما فعل عمر بن الخطاب، وتعطى الأم -إذا أنجبت عدداً معيناً من المواليد- بطاقة أو امتيازاً يمنحها تخفيضاً أو مجانية في خدمات عديدة كالمواصلات وغيرها، وأن يُنشأ للنساء مستشفيات نسائية خاصة وحافلات خاصة ومقاعد خاصة لهن في الطائرات، وأن يُمنع ما يخدش كرامة المرأة، كصور الممثلات والمذيعات والعارضات اللاتي يجعلن زوجها يرى أجمل منها، ومكافحة تبرج ودعوات الساقطات اللاتي قد لا يخلو منهن مجتمع.
(١٣) المراد بـ (الحمو) في الحديث: أقارب الزوج -غير آبائه وأبنائه- لأنهم ليسو محارم للزوجة ويتساهل البعض بخلو الأخ بامرأة أخيه، فشبهه بالموت، وهو أولى بالمنع من الأجنبي. فإن الخلوة بالحمو قد تؤدي إلى هلاك الدين إن وقعت المعصية، أو إلى الموت إن وقعت المعصية ووجب الرجم، أو إلى هلاك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة على تطليقها.

<<  <   >  >>