للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدعاء للمدينة بالصحة]

وقالت عائشة - رضي الله عنها -: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة؛ اشتكى أصحابه فوعك (١) أبو بكر وبلال وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عيادتهم، فأذن لي. قالت: فدخلت عليهم، فقلت: يا أبت، كيف تجدك؟ فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:

كل امرئ مصبح في أهلهِ ** والموت أدنى من شراك نعلهِ

وسألت عامراً، فقال:

إنيّ وجدت الموت قبل ذوقهِ ** إن الجبان حتفه من فوقهِ

قالت: وسألت بلالاً كيف تجدك؟، فكان بلال إذا أقلع عنه الحمى، يرفع عقيرته (٢) يقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة** بوادٍ (٣) وحولي إذخر وجليل (٤)

وهل أردن يوماً مياه مجنة (٥) ** وهل يبدون لي شامة وطفيل (٦)

ثم قال: اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء. قالت عائشة: فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة، أو أشد. اللهم بارك لنا في صاعنا، وفي مدنا، وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة. (٧)


(١) أي: أصابهم الوعك وهي الحمى.
(٢) قال الأصمعي: أصله أن رجلاً انعقرت رجله، فرفعها على الأخرى وجعل يصيح، فصار كل من رفع صوته يقال: رفع عقيرته، وإن لم يرفع رجله.
(٣) أي: بوادي مكة.
(٤) الجليل: نبت ضعيف، يحشى به خصاص البيوت وغيرها.
(٥) موضع على أميال من مكه، وكان به سوق.
(٦) جبلان بقرب مكة.
(٧) قالت عائشة رضي الله عنها: فكان المولود يولد بالجحفة، فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى، وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وكان بطحان يجري نجلاً، تعني: ماء آجنا (أي: متغيرا).

<<  <   >  >>