وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين لخمس خلت من شوال. و حنين: واد إلى جنب ذي المجاز، قريب من الطائف، وبينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام بمكة ١٩ يوماً، حتى جاءت هوازن وثقيف، فنزلوا بحنين يريدون قتال النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، وهم يظنون أنه إنما يريدهم، فلما أتاهم أنه قد نزل مكة، أخذوا في الاستعداد لمواجهته. وقد أرادوها موقعة حاسمة، فحشدوا الأموال والنساء والأبناء حتى لا يفر أحدهم ويترك أهله وماله. وكان يقودهم مالك بن عوف النضري، واستنفروا معهم غطفان وغيرها. فاستعد الرسول صلى الله عليه وسلم لمواجهتهم، فاستعار من يعلى بن أمية ثلاثين بعيراً وثلاثين درعاً، واستعار من صفوان بن أمية مائة درع. واستعمل عتَّابَ بن أسيد بن أبي العاص أميراً على مكة. وخرج الطلقاء معه إلى حنين. واستقبل الرسول صلى الله عليه وسلم بجيشه وادي حنين في عماية الصبح، وانحدروا فيه، وعند دخولهم إلى الوادي حملوا على هوازن فانكشفوا، فأكب المسلمون على ما تركوه من غنائم، وبينما هم على هذه الحال استقبلتهم هوازن، وأمطرتهم بوابل من السهام. ولم يكن المسلمون يتوقعون هذا فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فولوا مدبرين لا يلوي أحد على أحد. وانحاز الرسول صلى الله عليه وسلم ذات اليمين وهو يقول:"أين الناس؟ هلموا إلي أنا رسول الله، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله". وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمه العباس - وكان قوي الصوت - أن ينادي الناس بالثبات، وخص منهم أصحاب بيعة الرضوان، فأسرعوا إليه، ثم خص الأنصار بالنداء، ثم بني الحارث بن الخزرج، فطاروا إليه قائلين: لبيك، لبيك. ودارت المعركة قوية ضد هوازن. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى المعركة تشتد:"هذا حين حمي الوطيس". ثم أخذ حصيات أو تراباً فرمى به وجوه الكفار وهو يقول:"شاهت الوجوه"، فما خلق الله تعالى منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولوا مدبرين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"انهزموا وربِّ محمد"، وقال:"انهزموا وربِّ الكعبة" مرتين.