للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشفاعة في الخلاص من كرب المحشر]

وَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمْ الْجَنَّةُ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟، أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ؟، أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا. فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ فَيَشْفَعَ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَأتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟، أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ آدَمُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ؟ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. فَيَأتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ (١)، وَسَمَّاكَ اللهُ {عَبْدًا شَكُورًا} اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟، أَلَا تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا؟، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ - سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ -، فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي - عز وجل - قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، إِنِّي دَعَوْتُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ دَعْوَةً فَأُهْلِكُوا. نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ. فَيَأتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟، فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ. وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ. وهي قَوْلَهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} وَقَوْلَهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وَقَوْلَهُ فِي الْكَوْكَبِ: {هَذَا رَبِّي} (٢)، وَأَتَى عَلَى جَبَّارٍ مُتْرَفٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: أَخْبِرِيهِ أَنِّي أَخُوكِ فَإِنِّي مُخْبِرُهُ أَنَّكِ أُخْتِي (٣)، إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، عَبْدًا اصْطَفَاهُ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا.


(١) وَقَدِ اسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الْأَوَّلِيَّةُ بِأَنَّ آدَمَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَكَذَا شِيثُ وَإِدْرِيسُ وَهُمْ قَبْلَ نُوحٍ، والجواب أنَّ الْأَوَّلِيَّةَ هنا مُقَيَّدَةٌ بِقَوْلِهِ (أَهْلِ الْأَرْضِ) لِأَنَّ آدَمَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ لَمْ يُرْسَلُوا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وبَعْثَتَهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ لِصِدْقِ أَنَّهُمْ قَوْمُهُ، بِخِلَافِ عُمُومِ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِهِ وَلِغَيْرِ قَوْمِهِ، وأَنَّ رِسَالَةَ آدَمَ كَانَتْ إِلَى بَنِيهِ وَهُمْ مُوَحِّدُونَ لِيُعْلِمَهُمْ شَرِيعَتَهُ، وَنُوحٌ كَانَتْ رِسَالَتُهُ إِلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ.
(٢) تقدم أن الثلاث في ذات الله ليحاج قومه.
(٣) يعني في الدين.

<<  <   >  >>