وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مركباً في يوم شديد الحر، فانكسفت الشمس وكان ذلك اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: إنما انكسفت الشمس لموت إبراهيم. فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ مِنَ الْعَجَلَةِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى المَسْجِدِ وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ وبعث منادياً: أن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصفهم وراءه وتقدم فكبر وجهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة فيها فاقترأ قراءة طويلة حتى إن رجالاً يومئذ ليغشى عليهم مما قام بهم، حتى إن سجال الماء لتصب عليهم، ثم ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركوعاً طويلاً ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، وقام كما هو ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو أدنى من الركوع الأول ثم رفع رأسه، كلما رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد سجدتين فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى فقام قياما طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد وهو دون السجود الأول، ثم تأخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهى إلى النساء، فجعل ينفخ ويبكي ويقول: لم تعدني هذا وأنا فيهم، لم تعدني هذا ونحن نستغفرك. ثم تقدم وتقدم الناس معه، حتى قام في مقامه، فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات ثم جلس ففرغ من صلاته وقد انجلت الشمس فقعد على المنبر فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما كذلك فافزعوا إلى المساجد، فافزعوا إلى الصلاة، فادعوا الله، وكبروا، وصلوا، وتصدقوا، حتى ينجليا، حَتَّى يَكْشِفَ مَا بِكُمْ أَوْ يُحْدِثَ اللَّهُ أَمْرًا. ثم قال وهو ينادي بأعلى صوته محمرة عيناه: أيها الناس يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته، أظلتكم الفتن كقطع الليل المظلم، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً.