للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فطرة الإنسان]

ما من مولود إلا يولد على الفطرة (١) على هذه الملة، حتى يبين عنه لسانه، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه أو يشركانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء (٢) هل تحسون فيها من جدعاء؟ (٣)، فإن كانا مسلمين؛ فمسلم. {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}. قال الله: (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم (٤) وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأَمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً) (٥).

إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وإِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً؛ بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَسَوِيٌّ أَوْ غَيْرُ سَوِيٍّ؟، فَيَجْعَلُهُ اللهُ سَوِيًّا أَوْ غَيْرَ سَوِيٍّ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَجَلُهُ، فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ رِزْقُهُ، فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، فَيَكْتُبُ مَا هُوَ لَاقٍ، حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ، وإِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، ومَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ إِلَّا مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ وَابْنَهَا عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام؛ ذَهَبَ يَطْعُنُ، فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ (٦). إِنَّ أُمَّهَا حِينَ وَضَعَتْهَا قَالَتْ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}. وما مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ (٧) وَقَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ (٨).


(١) وهي الإسلام لله والإقرار بربوبيته وحده.
(٢) سليمة مجتمعة الأعضاء.
(٣) مقطوعة الأذن.
(٤) أي: أَزَالُوهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ.
(٥) حديث قدسي.
(٦) الْمُرَاد بِالْحِجَابِ: الْجِلْدَةُ الَّتِي فِيهَا الْجَنِين، أَيْ: فِي الْمَشِيمَةِ الَّتِي فِيهَا الْوَلَدُ أَوْ الثَّوْبُ الْمَلْفُوفُ عَلَى الطِّفْل. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَذَا الطَّعْنُ مِنْ الشَّيْطَانِ هُوَ اِبْتِدَاءُ التَّسْلِيط، فَحَفِظَ اللهُ مَرْيَمَ وَابْنَهَا مِنْهُ بِبَرَكَةِ دَعْوَةِ أُمِّهَا حَيْثُ قَالَتْ: {إِنِّي أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم} وَلَمْ يَكُنْ لِمَرْيَم ذُرِّيَّةٌ غَيْرُ عِيسَى.
(٧) وهو شيطان يغويه ويسول له ويشككه في الدين. وجاء في الحديث أن الشَّيْطَانَ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ. وإِذَا نُودِيَ بِالصَلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ (ضراط).
(٨) يسدده ويرشده.

<<  <   >  >>