للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حال الأرض قبل بعثته عليه الصلاة والسلام]

وكانَ العربُ عَلَى أمور باقية من الحنيفية ملة إبراهيم ودين إسماعيل عليهما السلام. وكانوا على أمور من الفِطْرَةِ كنصرة المظلوم والشجاعة والكرم والضيافة، وكانوا أفصح الناس، واعْتَادُوا القَوْلَ السَّدِيدَ دون فَلْسَفَاتٍ فِكْرِيَّةٌ، وبِمَعْزِلٍ عَنْ أدْوَاءِ المَدَنِيَّةِ والتَّرَفِ. إلا أنه دخل فيهم الشرك بالله وعبادة الأصنام التي أحضرها عمرو بن لحي الخزاعي من الشام، وتبع ذلك عبادات شركية قولية وفعلية كالذبح للأصنام وغيرها، وظهرت فيهم العصبية القبلية، وشُرْبُ الخَمْرِ والقِمَارُ وتَعَاطِي الرِّبَا وأكل أموال الناس بالباطل وزِّنَى البغايا والإماء، وقَتْلُ الأَوْلَادِ خَشْيَةَ الفَقْرِ، ووَأْدُ البَنَاتِ خشية العارِ، والطواف بالبيت عراة، وغير ذلك من الأمور المنكرة. وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (١).


(١) يعني بقايا الموحّدين منهم، المستمسكين بالدين الحق. وكان في تلك الفترة أقليات يهودية مشتتة في الشام والعراق والحجاز وقد تحرفت تعاليم موسى عليه السلام، ودخل فيها آراء كتبها الأحبار ونسبوها إلى الدين، فجعلوا الله-سبحانه- إلهاً قومياً خاصاً باليهود وافتروا على أنبيائهم ما يشوه سمعتهم، وأحلوا التعامل مع غيرهم من الأميين بالربا والغش وحرموه بينهم، وأبوا دعوة الناس إلى دينهم لئلا يحظوا- في زعمهم- بشرف الانتماء إلى شعب الله المختار.
وفي بلاد الروم وحُكْم النصارى كان الربا والاحتكار هما أساسا النظام، وفرض هرقل ضرائب جديدة على أهالي الولايات المستاءين من الحكم الروماني لتسديد الدين الكبير لحروبه مع فارس، وكانت طبقات المجتمع البيزنطي جميعاً تؤمن بالتنجيم، والتنبؤ بالغيب، والعرافة، والاتصال بالشياطين، والتمائم. وكان الامبراطور وقادة الجيش وكبار رجال الكنيسة يعيشون في أعلى السلم الاجتماعي، في حين يقبع آلاف العبيد في المزارع الضخمة حيث يعانون من سوء التغذية وتدني مستوى المعيشة. ويقرب من مستواهم المعيشي: الأحرار الذين يشتغلون في الصناعات، وهذه الطبقات من الفقراء كانوا يحسون بسوء حالهم وكثيراً ما حاولوا القيام بثورات لم يوفقوا فيها. وكان أصحاب الأعمال الذين يستخدمونهم يؤلفون من بينهم طبقة وسطى كبيرة العدد.
وكانت البوذية تنتشر في الصين، فكانت التماثيل الخزفية المزججة التي تمثل الخدم والذل والجمال تدفن مع الأموات في القبور، ثم تحولت هذه العادة إلى ذبح العبيد والخيول الحيَّة ودفنها مع الملوك والرؤساء لخدمتهم في عالم ما بعد الموت. وكانت تماثيل بوذا (٥٦٣ - (٤٨٣) ق. م) تنتشر في الهند أيضاً، وتعتقد بخلود الحياة المستمرة في دورة لانهائية من تناسخ الأرواح. وفي الهند سادت البرهمية بعد أن زاحمت الديانة البوذية، والبرهمية تقوم على نظام الطبقات، وزعامة البراهمة، وتقديس البقرة، وتناسخ الأرواح، وعبادات وحشية مثل التضحية بأفراد من الإنسان، وإحراق الأرملة عند وفاة زوجها. وكان اليابانيون قبل البوذية يعبدون إلهاً يدعونه كامي، ويتمثل في عبادة ظواهر من الطبيعة كالشمس أو الأجداد الأسطوريين الذين هم ظواهر من الطبيعة حسب معتقدهم وتعرف ديانتهم باسم (الشنتو) أي الطريق إلى الآلهة، وعند ظهور الإسلام كانت البوذية قد انتصرت على الشنتو.

<<  <   >  >>