للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان نفر من قريش على مخالفة للمشركين في عبادة الأصنام، ففي تلك الفترة خَرَجَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ القرشي من مكة إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنْ الدِّينِ وَيَتَّبِعُهُ. فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي، فَقَالَ: لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللهِ، فَقَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟، قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا، فَقَالَ زَيْدٌ: وَمَا الْحَنِيفُ؟، قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ. (١) فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ؟، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟، قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ، قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام - خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ. وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لَا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَ مَئُونَتَهَا، فَيَأخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا، وقد لَقِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ (٢) قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُفْرَةٌ (٣)، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وقدمها إلى زيد، فَأَبَى زَيْدٌ أَنْ يَأكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ زيد (٤) لقريش: "إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ". وَكَانَ زَيْدٌ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: "الشَّاةُ خَلَقَهَا اللهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السَّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ؟! " إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ. وإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ، وله في الجنة درجتان.


(١) وذكر أهل السير أنّ أَحْبَارُ اليَهُودِ كانُوا يَذْكُرُونَ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا طَلَعَ الْكَوْكَبُ الْأَحْمَرُ أَخْبَرُوا أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَاسْمُهُ أَحْمَدُ، يُخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ إِلَى يَثْرِبَ. وقَالَ أَحَدُهُمْ لزَيْدِ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ لمّا رحل إلى الشام يبحث عن الدين الحق: قَدْ خَرَجَ فِي بَلَدِكَ نَبِيٌّ أَوْ هُوَ خَارِجٌ، قَدْ خَرَجَ نَجْمُهُ، فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ، وَاتَّبِعْهُ.
(٢) واد في طريق التنعيم إلى مكة.
(٣) (سفرة) طعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير ولذلك أصبح يطلق لفظ سفرة على ما يوضع فيه الطعام أو عليه.
(٤) وجه كلامه لقريش الذين قدموا السفرة إلى النبى صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>