[وفاة أبي طالب وخديجة (عام الحزن)]
وبدأ مرض الموت بأبي طالب، فلمّا بَلَغَ قُريْشًا ثِقَلُهُ، خَشُوا أَنْ تُعَيِّرَهُمُ العَرَبُ إِنْ أتَوْا بَعْدَ وَفَاتِهِ بِمُنْكَرٍ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، فَيَقُولُونَ: تَرَكُوهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ عَمُّهُ تَنَاوَلُوهُ. فَمَشَى إِلَيْهِ أشْرَافُهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالُوا: يَا أبَا طَالِبٍ! إِنَّكَ كَبِيرُنَا وسَيِّدُنَا، فَأَنْصِفْنَا مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، فَمُرْهُ فَلْيَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا ونَدَعَهُ وإِلَهَهُ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَدَخَلَ البَيْتَ، وبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِس رَجُلٍ، فَخَشِيَ أَبُو جَهْلٍ إِنْ جَلَسَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ في ذَلِكَ المَجْلِسِ، وَلَمْ يَجِدِ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ البَابِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي! هَؤُلَاءِ أشْرَافُ قَوْمِكَ، قَدِ اجْتَمَعُوا لَكَ، لِيُعْطُوكَ وليَأْخُذُوا مِنْكَ، وَقَدْ سَأَلُوكَ أَنْ تَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِهِمْ، ويَدَعُوكَ وإِلَهَكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ فَقَدْ أنْصَفُوكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ هَذِهِ، هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّ كلِمَةً إِنْ أَنْتُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمْ بِهَا العَرَبَ، ودَانَتْ لَكُمْ بِهَا العَجَمُ؟ ". فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي! مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُرِيدُ مِنْهُمْ كلِمَةً وَاحِدَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا العَرَبُ، وتُؤَدِّي إلَيْهِمُ العَجَمُ الجِزْيَةَ"، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: كَلِمَةً وَاحِدَةً؟ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم: "كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ"، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: نَعَمْ وأَبِيكَ، وعَشْرَ كَلِمَاتٍ. إِنَّ هَذِهِ لَكَلِمَةٌ مُرْبِحَةٌ، لَنُعْطيَنَّكَهَا وَعَشرًا مَعَهَا فمَا هِيَ؟ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَقُوُلونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ".
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَاللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَطَطًا. أَمَّا زُعَمَاءُ المُشْرِكِينَ فَصفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟ إِنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُ، ثُمَّ قَامُوا مِنْ عِنْدِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَنَشْتُمَنَّكَ، وَإِلَهَكَ الذِي يَأْمُرُكَ بِهَذَا. ثم تفرقوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute