وفي رجب أيضاً من سنة تسع وقعت غزوة تبوك وسميت بغزوة جيش العسرة. وسببها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَلَغَهُ أَنَّ هِرَقْلَ مَلِكَ الرُّومِ جَمَعَ جُمُوعًا كَثِيرَةً مِنَ الرُّومِ وَالْغَسَاسِنَةِ وَقَبائِلِ الْعَرَبِ الْمُوَالِيَةِ لَهُ، فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِهِمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، ولِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ لِقُرْبِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}. وحث الصحابةَ على الإنفاق لتجهيز الجيش فأنفق عمر نصف ماله، وأبو بكر ماله كله، وجهز عثمان الجيش بنفقة عظيمة، وأنفق عبدالرحمن بن عوف وغيرهم من الصحابة، ولمز المنافقون المنفقين، وتَخَلَّفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، رَئيِسُ الْمُنَافِقِينَ مع مجموعة منهم وقالوا: لا تنفروا في الحر. وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان لهم إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك. وفيه دلالة على ما كان عليه الصحابة من العسر الشديد في المال والزاد والركائب، وما وقع للمسلمين في طريق هذه الغزوة من نقص في الزاد حتى مصوا النوى وشربوا عليه الماء، واستأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم في نحر مطاياهم ليأكلوا. وقد قال الله تعالى:(لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة). وقد بين صلى الله عليه وسلم وجهة هذه الغزوة.