للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذرية آدم وتربص الشيطان بهم]

وكان آدم نبياً معلَّماً مكلَّماً، وأوتيَ النبوةَ بعد آدم ابنُه شيث (١) عليهما السلام، ثم إدريس عليه السلام، ثم كان إرسال نوح عليه السلام إلى قومه لما ظهر فيهم الشرك (٢)، وكان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، وكان ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر رجالاً صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا ولم تعبد. حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عُبدت واختلفوا في دينهم، فلما اختلفوا في دينهم بعث الله النبيين برسالة التوحيد والإسلام لله مبشرين ومنذرين.

الأنبياء والمرسلون

والْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ (٣)، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، والْأَنْبِيَاءُ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، والرُّسُلُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا، (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)، بعثوا إلى أمم كثيرة لا يعلمهم إلا الله (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)، وممن ذكرهم الله في القرآن: أبو البشر آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وشعيب، وأيوب، وذو الكفل، وموسى، وهارون، وداود، وسليمان، وإلياس، واليسع، ويونس، وزكريا، ويحيى، وعيسى، ومحمد خاتم الأنبياء والرسل؛ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ويوشع بن نون عليهما السلام، والخَضِرُ عليه السلام (٤). ومَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ.


(١) قال بعض المؤرخين: إنّ شِيث عليه السلام وُلِدَ لآدم بعد مقتل هابيل، وإليه تَنْتَهِي أَنْسَاب بني آدم كلهم الْيَوْم، وَذَلِكَ أَن نسل ولد آدم غير نسل شِيث انقرضوا فَلم يبْق مِنْهُم أحد. أمَّا القاتل (قابيل) فهلك نسله بالطوفان، وأمَّا المقتول (هابيل) فلم يعقب. ونوح من ذرية شيث، ومن على الأرض كلهم هم من ذرية نوح عليه السلام.
(٢) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَإِنَّ بَطْنَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْكُنُ السَّهْلَ، وَالْآخِرُ يَسْكُنُ الْجَبَلَ. وَكَانَ رِجَالُ الْجَبَلِ صِبَاحًا وَفِي النِّسَاءِ دَمَامة. وَكَانَ نِسَاءُ السَّهْلِ صِبَاحًا وَفِي الرِّجَالِ دَمَامَةٌ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ أَتَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّهْلِ فِي صُورَةِ غُلَامٍ، فَآجَرَ نَفْسَهُ مِنْهُ، فَكَانَ يَخْدِمُهُ وَاتَّخَذَ إِبْلِيسُ شَيْئًا مِثْلَ الَّذِي يُزَمّر فِيهِ الرِّعاء، فَجَاءَ فِيهِ بِصَوْتٍ لَمْ يسمَع النَّاسُ مِثْلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ حَوْلَهُ، فَانْتَابُوهُمْ يَسْمَعُونَ إِلَيْهِ، وَاتَّخَذُوا عِيدًا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ، فيتبرَّجُ النِّسَاءُ لِلرِّجَالِ، ويتزيَّن الرِّجَالُ لَهُنَّ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ هَجَم عَلَيْهِمْ فِي عِيدِهِمْ ذَلِكَ، فَرَأَى النِّسَاءَ وصَبَاحتهن، فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَتَحَوَّلُوا إِلَيْهِنَّ، فَنَزَلُوا مَعَهُنَّ وَظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِيهِنَّ، فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى}. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: التَّبَرُّجُ: أَنَّهَا تُلْقِي الْخِمَارَ عَلَى رَأْسِهَا، وَلَا تَشُدُّهُ فَيُوَارِي قَلَائِدَهَا وَقُرْطَهَا وَعُنُقَهَا، وَيَبْدُو ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهَا.
(٣) تقول العرب: هم إخوة لعلات إذا كانت أمهاتهم مختلفات وأبوهم واحد، و شبَّه دين الأنبياء بالأبِ الواحد لاشتراك جميعهم فيه، وأما شرائع الأعمال والمأمورات فقد تختلف، فهي بمنزلة الأمَّهات الشَّتى، فإنَّ لقاح تلك الأمَّهات من أبٍ واحد، كما أن مادة تلك الشرائع المختلفة من دينٍ واحد متفقٍ عليه.
(٤) هو نبي على الأرجح لدلائل عديدة وقوية ذكرها أهل العلم.

<<  <   >  >>