للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[موسى وهارون عليهما السلام]

وكان موسى بن عمران من نسل يعقوب ومن ذرية إبراهيم عليهم السلام، فَهُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ قَاهِثَ بْنِ عَازِرَ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِهَارُونَ - عليه السلام - فِي الْعَامِ الَّذِي لَا يُذْبَحُ فِيهِ الْغِلْمَانُ، فَوَلَدَتْهُ عَلَانِيَةً آمِنَةً، فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَمَلَتْ بِمُوسَى - عليه السلام - فَوَقَعَ فِي قَلْبِهَا مِنَ الْهَمِّ وَالْحُزْنِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ، فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهَا: {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي، إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} وَأَمَرَهَا إِذَا وَلَدَتْ أَنْ تَجْعَلَهُ فِي تَابُوتٍ، ثُمَّ تُلْقِيهِ فِي الْيَمِّ، فَلَمَّا وَلَدَتْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ، فَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ، فَلَمَّا تَوَارَى عَنْهَا ابْنُهَا، أَتَاهَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا: مَا فَعَلْتُ بِابْنِي؟، لَوْ ذُبِحَ لَبِثَ عِنْدِي، فَرَأَيْتُهُ وَكَفَّنْتُهُ، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُلْقِيهِ بِيَدِي إِلَى دَوَابِّ الْبَحْرِ وَحِيتَانِهِ. وَانْتَهَى الْمَاءُ بِهِ حَتَّى أَرْفَأَ بِهِ عِنْدَ فُرْضَةِ (١) مُسْتَقَى جَوَارِي امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَخَذْنَهُ، فَهَمَمْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ التَّابُوتَ، فَقَالَتْ بَعْضُهُنَّ: إِنَّ فِي هَذَا مَالًا، وَإِنَّا إِنْ فَتَحْنَاهُ لَمْ تُصَدِّقْنَا امَرْأَةُ الْمَلِكِ بِمَا وَجَدْنَا فِيهِ، فَحَمَلْنَهُ بِهَيْئَةٍ لَمْ يُحَرِّكْنَ مِنْهُ شَيْئًا، حَتَّى دَفَعْنَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ فِيهِ غُلَامًا، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا مَحَبَّةً لَمْ تُلْقَ مِثْلُهَا عَلَى الْبَشَرِ قَطُّ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا مِنْ ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى - عليه السلام - فَلَمَّا سَمِعَ الذَّابِحُونَ بِأَمْرِهِ، أَقْبَلُوا بِشِفَارِهِمْ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ لِيَذْبَحُوهُ، فَقَالَتْ لِلذَّبَّاحِينَ: اتْرُكُوهُ، فَإِنَّ هَذَا الْوَاحِدَ لَا يَزِيدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى آتِيَ فِرْعَوْنَ فَأَسْتَوْهِبَهُ مِنْهُ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِي، كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، وَإِنْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ، لَمْ أَلُمْكُمْ، فَأَتَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ، فَقَالَتْ: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} قَالَ فِرْعَوْنُ: يَكُونُ لَكِ فَأَمَّا لِي، فلَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ (٢).

فَأَرْسَلَتْ إِلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ تَخْتَارُ لَهَا ظِئْرًا (٣)، فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ فَتُرْضِعُهُ، لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَهَا، حَتَّى أَشْفَقَتْ عَلَيْهِ امَرْأَةُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اللَّبَنِ فَيَمُوتَ، فَأَحْزَنَهَا ذَلِكَ فَأَمَرَتْ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى السُّوقِ، وَتَجَمَّعَ النَّاسُ، تَرْجُو أَنْ تَجِدَ لَهُ ظِئْرًا يَأخُذُ مِنْهَا، فَلَمْ يَقْبَلْ،


(١) فُرْضَة النَّهر: ثُلْمَتُه التي يُسْتَقَى منها.
(٢) قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ، لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتِ امْرَأَتُهُ، لَهَداهُ اللهُ بِهِ، كَمَا هَدى بِهِ امْرَأَتَهُ، وَلَكِنَّ اللهَ حَرَمَهُ ذَلِكَ ".
(٣) مرضعاً.

<<  <   >  >>