وفي جمادى الآخرة وقعت غزوة ذات السلاسل. قيل سميت ذات السلاسل؛ لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، وقيل لأن بها ماء يقال له السلسل، وكانت بعد غزوة مؤتة. وفيها أن جمعاً من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيضاً وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: بعث إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذ عليك ثيابك، وسلاحك، ثم ائتني"، فأتيته، وهو يتوضأ، فصعَّد فيَّ النظر، ثم طأطأ، فقال:"إني أريد أن أبعثك على جيش، فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة"، قال: قلت: يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا عمرو، نعم المال الصالح للمرء الصالح". ولما بعثه في ذات السلاسل سأله أصحابه أن يوقدوا ناراً فمنعهم فكلموا أبا بكر، فكلمه في ذلك فقال: لا يُوقِدُ أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها. قال: فلقوا العدو فهزموهم، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرف ذلك الجيش ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم وشكوه إليه، فقال: يا رسول الله إني كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قِلَّتَهُم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم. فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره.
وفي شعبان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة بن ربعي رضي الله عنه في سرية إلى خَضِرَة؛ وذلك لأن بني غَطَفَان كانوا يحتشدون في خَضِرَة - وهي أرض مُحَارِب بنَجْد - فبعثه صلى الله عليه وسلم في خمسة عشر رجلاً، فقَتَل منهم، وسَبَى وغَنِم، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.