للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إرسال شعيب عليه السلام إلى أهل مدين]

وبعث الله إلى مدين (١) نبيه شعيباً عليه السلام، وكانوا قريبي عهد بلوط وقومه زماناً ومكاناً، فمدين وسدوم كلاهما على طريق واحدة ظاهرة للمسافرين. فذكرهم شعيب بنعم الله عليهم وكيف أن الله منّ عليهم بأن كان عددهم قليلًا فكثَّرهم، ودعاهم إلى توحيد الله وأن يتمُّوا المكيال والميزان بالعدل، ولا ينقصوا الناس من حقوقهم شيئًا بالتطفيف والغش والخداع أو بعيب سلعهم، والتزهيد فيها، أو المخادعة لأصحابها وألا يفسدوا في الأرض بالمعاصي وألا يقعدوا بكل طريق يهددون من سلكه من الناس ليسلبوا أموالهم، ويصدوا عن دين الله من أراد الاهتداء به. وأن ما يبقيه الله لهم من الحلال بعد إيفاء حقوق الناس بالعدل؛ أكثر نفعًا وبركة من الزيادة الحاصلة بالتطفيف والإفساد في الأرض، وقال لهم: ما أريد أن أنهاكم عن شيء وأخالفكم في فعله، لا أريد إلا إصلاحكم بدعوتكم إلى توحيد ربكم وطاعته قدر استطاعتي، وما توفيقي إلى الحصول على ذلك إلا بالله سبحانه.

فرفضوا ترك عبادة الأصنام التي عبدها آباؤهم وأصروا على التصرف بأموالهم كيف يشاؤون بالباطل. وهددوا بقتله لولا عشيرته. وهددوا بإخراجه ومن آمن معه من قريتهم. وزعموا أن الذين اتبعوا شعيباً سيخسرون. فحذرهم أن ينالهم بكفرهم وتكذيبهم من العذاب مثلُ ما نال قوم نوح أو قوم هود أو قومِ صالح، وأن إهلاك قوم لوط ليس منهم ببعيد، لا زماناً ولا مكانًا، وأنهم يعلمون ما أصابهم. فاستكبروا وأصروا وطلبوا منه مستهزئين أن يسقط العذاب عليهم قطعًا من السماء إن كان صادقًا، فأخذهم عذاب يوم الظلة -وهي السحابة العظيمة- حيث أظلتهم بعد يوم شديد الحر، فرجفت بهم الأرض وتزلزلت زلزلة شديدة وأمطرت السحابة عليهم نارًا فأحرقتهم. ونجى الله شعيباً ومن آمن معه برحمته.


(١) وتقع مدين في المنطقة التي تسمى اليوم: البَدع، وهي قريبة من تبوك، شمال غرب الجزيرة العربية. وأهلها هم: أصحاب الأيكة.

<<  <   >  >>