و وُلِدَ إبراهيم عليه السلام بِبَابِلَ في العراق، ثم بعثه الله إلى الملك نمرود بن كنعان وقومه بالعراق، وكانوا يعبدون الأصنام والكواكب، فدعاهم وجادلهم بالبينات.
وابتدأ إبراهيم بدعوة أبيه آزر إلى توحيد الله متلطفاً معه حريصاً عليه، لكن أباه رفض تركه دينه الباطل (١)، وأراد إبراهيم أن يثبت لقومه أن الكواكب والأصنام لا تضر ولا تنفع ولا تصلح للعبادة، فاتخذ طريقة الاستدراج والتنزّل في مناظرتهم، فحِين أظلَمَ عليه اللَّيل رأى كوكبًا، فقال لقومه على وجه التنزُّلِ معهم لاستدراجهم: سأختار أن يكون هذا الكوكب ربِّي. فلَمَّا غاب ذلك الكوكَبُ قال إبراهيمُ عليه السَّلامُ: لا أحِبُّ المعبودَ المُتَغَيِّر المُسَخَّر، الذي يغيبُ وينصرِفُ عمَّن عَبَده، لأنَّه لا يُمكِن أنْ يكونَ مَن هذا حالُه هو القائِمَ بمصالح عبادِه، المدبِّرَ لشؤون العالَم، الذي بيده النَّفْعُ والضُّرُّ، وعليه فلا يَصْلُح أن يكون هذا الكوكب الذي اخترته إلهًا يستحِقُّ أن يُعبَدَ.
فلَمَّا رأى القَمَر في أوَّلِ طلوعه قال تنزُّلًا معهم لاستدراجهم: هذا ربِّي، فلمَّا غاب القمر قال إبراهيمُ: إن القمر أيضاً يغيب ولا يصلح للعبادة، ولَئِنْ لم يُوفِّقْني ربِّي لِلحَقِّ لأكونَنَّ من القومِ الضَّالِّينَ.
فلَمَّا رأى الشَّمْس في أوَّلِ طُلُوعها قال تنزُّلًا مع قومه: هذا الطَّالِعُ ربِّي، وهو أكبرُ من الكوكَبِ ومن القمرِ، فلَمَّا غابت الشَّمْس قال إبراهيم: يا قومِ إنِّي أبْرَأُ من كلِّ ما تعبدونَه مع اللهِ، إنِّي أخلَصْتُ العبادةَ لله الذي أبدَعَ خلق السَّمواتِ والأرضَ وما فيها من شمس وقمر وكواكب على غيرِ مثالٍ سابقٍ، مائلًا عن الشِّرْك، مستقيمًا على التَّوحيدِ، وما أنا مِن المشْركينَ مع الله تعالى غَيرَه.
وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ، فلما حان يوم عيدهم أرادوه أن يخرج معهم، فقال لهم: إني مريض. وأراد في نفسه أن يختلي بالأصنام حين يخرجون ليحطمها.
(١) عَنِ ابن عباس قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما مات؛ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ؛ فتبرأ منه.