للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إرسال صالح عليه السلام إلى ثمود

ثم بعث الله إلى ثمود نبيه صالحاً فدعاهم إلى التوحيد وطاعة الله وذكرهم بنعم الله عليهم من الخيرات والنعم والأمن وعدم الخوف، ومن الرخاء والعيش في بساتين وعيون جارية وزروع ونخل ثمرها لين نضيج. وأن الله جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد، ومكنهم أن ينحتوا الجبال فيصنعوا منها بيوتًا، وأن يبنوا في سهول الأرض قصوراً. فكذبوه واتهموه أنه مسحور، واستهزؤوا به وبالمؤمنين المستضعفين معه. وطلبوا منه آيةً معجزةً تدل على صدق نبوته، فأخرج لهم بإذن الله من الصخرة ناقةً لتكون لهم آية على صدق نبوته واختبارًا لهم، وأخبرهم صالحُ بأمر الله لهم أن يكون ماء بئرهم مقسوم بينهم وبين الناقة؛ يوم لها ويوم لهم، وأن يتركوها ترعى في أرض الله، ولا يتعرضوا لها بأي أذى؛ وإلا فسينالهم عذاب قريب من وقت عَقْرِهم لها. فاتفقوا وحرضوا أشقاهم على قتل الناقة؛ فقتلها (١). وقالوا مستهزئين مُسْتبعِدين لما توعدهم به نبيهم: يا صالح، جئنا بما توعدتنا به من العذاب الأليم إن كنت من رسل الله. فقال لهم: استمتعوا بالحياة في أرضكم مدة ثلاثة أيام من عَقْرِكم الناقة، ثم يأتيكم عذاب الله. وكان في مدينة الحِجْر تسعة رجال يفسدون في الأرض بالكفر والمعاصي، ولا يصلحون فيها بالإيمان والعمل الصالح. قال بعضهم لبعض: ليحلف كل واحد منكم بالله لنأتين صالحاً وأهله في بيته ليلًا، فلنقتلنهم، ثم لنقولن لولي دمه: ما حضرنا قتل صالح وأهله، وإنا لصادقون فيما قلنا. ودبَّروا مكيدة خفية لإهلاك صالح وأهله. لكن الله أبطل مكرهم وحفظ صالحاً ومن معه. فلما انقضت الأيام الثلاثة؛ أخذتهم الزلزلة الشديدة، وأرسلت عليهم صيحة واحدة -وهي صوت شديد مهلك- فماتوا من شِدَّتِه، وأصبحوا ساقطين على وجوههم، قد لصقت وجوههم بالتراب فأهلكتهم، فكانوا كالشجر اليابس الذي يتخذ منه المُحْتَظِر حظيرة لغنمه. ونجّى الله صالحاً ومن آمن معه برحمته وفضله.


(١) عن عَبْدِاللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ ".

<<  <   >  >>