وكانت في هذه الفترة رحلة الإسراء والمعراج، قال تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير}.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فرج سقف بيتي وأنا بمكة ليلة أسري بي من مسجد الكعبة فنزل جبريل - عليه السلام - ففرج صدري، (١) ثم غسله بماء زمزم حتى أنقى جوفه، ثم جاء بطست من ذهب، ممتلئ حكمة وإيماناً وعلماً فأفرغها في صدري، ثم أطبقه. ثم أتيت بالبراق مسرجاً، ملجماً، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته، فاستصعب علي، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا؟ أبمحمد تفعل هذا؟ فوالله ما ركبك أحد أكرم على الله - عز وجل - منه. فارفض البراق عرقاً، فمررت على موسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر، فلما انتهينا إلى بيت المقدس، قال جبريل بإصبعه، فخرق به الحجر، وشد به البراق، فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من خمر، وإناء من لبن، فقال: اشرب أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته. فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر، غوت أمتك.
وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فحانت الصلاة، فأممتهم فلما فرغت من الصلاة، قال قائل: يا محمد، هذا مالك صاحب النار فسلم عليه، فالتفت إليه، فبدأني بالسلام، ثم وضعت قدمي حيث توضع أقدام الأنبياء من بيت المقدس، ثم أخذ جبريل بيدي، فعرج بي إلى السماء، فلما جاء إلى السماء الدنيا، قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال: من هذا؟، قال: هذا جبريل،
(١) وفي رواية: (فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته، حتى فرغ من صدره وجوفه).