للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إهلاك قارون]

وكان قارون من قوم موسى عليه السلام - وقيل أنه ابن عمه - وكان غنياً منافقاً متكبراً، وأعطاه الله من كنوز الأموال ما إن مفاتح خزائنه ليثقل حملها على الجماعة القوية، وقال له الناصحون من قومه: لا تفرح فرح البَطَر، إن الله لا يحب الفرحين فرح البَطَر. واطلب فيما أعطاك الله من الأموال الثواب في الدار الآخرة، بأن تنفقه في وجوه الخير، ولا تنس نصيبك من الأكل والشرب واللباس وغير ذلك من النعم، في غير إسراف ولا مخيلة، وأحسن التعامل مع ربك ومع عباده كما أحسن سبحانه إليك، ولا تطلب الفساد في الأرض بارتكاب المعاصي وترك الطاعات، إن الله لا يحب المفسدين في الأرض بذلك، بل يبغضهم.

فقال قارون: إنما أُعْطِيت هذه الأموال لعلم عندي وقدرة، فأنا أستحقها لذلك.

فخرج قارون في زينته مظهرًا أُبَّهَتَه، قال الذين يطمعون في زينة الحياة الدنيا من أصحاب قارون: يا ليتنا أُعْطِينا من زينة الدنيا مثل ما أُعْطِي قارون، إن قارون لذو نصيب وافٍ كبير.

وقال الذين أعطوا العلم حين رأوا قارون في زينته وسمعوا ما تمناه أصحابه: ويلكم! ثواب الله في الآخرة، وما أعده من النعيم لمن آمن به وعمل عملًا صالحًا، خيرٌ مما أُعْطِي قارون من زهرة الدنيا، ولا يوفق لقول هذه الكلمة والعمل بما تقتضيه إلا الصابرون الذين يصبرون على إيثار ما عند الله من ثواب على ما في الدنيا من متاع زائل.

ولَمَّا أَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ بِالزَّكَاةِ؛ جَمَعَ قَارُونُ مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ لَهُمْ محرضاً على موسى: «جَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَجَاءَكُمْ بِأَشْيَاءَ فَاحْتَمَلْتُمُوهَا، فَتَحَمَّلُوا أَنْ تُعْطُوهُ أَمْوَالَكُمْ». فَقَالُوا: لَا نَحْتَمِلُ أَنْ نُعْطِيَهُ أَمْوَالَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَهُمْ: أَرَى أَنْ أُرْسِلَ إِلَى بَغِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنُرْسِلَهَا إِلَيْهِ فَتَرْمِيَهُ بِأَنَّهُ أَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا.

<<  <   >  >>