وكَانَ نُوحٌ إِذَا طَعِمَ طَعَامًا أَوْ لَبِسَ ثَوْبًا حَمِدَ اللَّهَ، فَسُمِّيَ عَبْدًا شَكُورًا. وكان نُوحٌ أَوَّلُ نَبِيٍّ أُرْسِلَ إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وكانوا هم أهل الأرض، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، فأعرضوا عنه واستنكروا أن يرسل إليهم بشر وليس ملَك من الملائكة، وأن الذين اتبعوا نوحاً ليسوا من ذوي المكانة والمال وهم قليل، وطلبوا منه أن يطرد أولئك المؤمنين، وطالت به السنين والقرون وهو يحذّرهم من عقاب الله فكذبوه وأصروا على كفرهم واستكبارهم، وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا فاحْتَالُوا فِي إِضْلَالِ النَّاسِ بِكُلِّ حِيلَةٍ وَأَمَالُوهُمْ إِلَى شِرْكِهِمْ بِكُلِّ وَسِيلَة. وطلبوا العذاب، وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فدعا على قومه الكافرين، وصنع السفينة بأمر الله، وأُمِرَ إذا فار التنور- أي: خرج الماء وارتفع من التنور وهو مكان طبخ الخبز- أن يحمل في السفينة مَن آمن معه، ومِن كل الدواب زوجين ذكرًا وأنثى. ثم أمطرت السماء وجاء الطوفان فأغرق أهل الأرض إلا من كان مع نوح في السفينة، وهلكت امرأته وكَانَتْ تَقُولُ لِلنَّاسِ إِنَّهُ مَجْنُونٌ، وهلك ابن له مع الكافرين ولم يركب معه في السفينة. ثم أذهب الله الطوفان، فتوقف المطر وابتلعت الأرض ماءها، ووقفت السفينة على جبل الجودي بالعراق، وجعلها الله آية للناس. ونصر الله نوحاً وباركه ومن معه وجعل نسله هو الباقي، فكل أهل الأرض اليوم من نسله، و وَلَدُ نُوحٍ ثَلَاثَةٌ: سَامُ وَحَامُ وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ. وكل الأنبياء الذين أتوا بعد نوح هم من ذريته.