للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[زواج النبي من خديجة بنت خويلد]

وفِي الخَامِسَةِ والعِشْرِينَ مِنْ عُمُرِهِ خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تاجِرًا إِلَي الشَّامِ في مَالِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وسمعت خديجة رضي الله عنها بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأمانته وأخلاقه الكريمة، وإن أخت خديجة قد استكرت (استأجرت) إبلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشريكه، فلما قضوا السفر بقي لهما عليها شيء، فجعل شريكه يأتيهم ويتقاضاهم، ويقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: انطلق. فيقول: اذهب أنت، فإني أستحيي. فقالت مرة - وقد أتاهم شريكه -: أين محمد لا يجيء معك؟ قال: قد قلت له، فزعم أنه يستحيي، فذكرت ذلك لأختها خديجة، فقالت: ما رأيت رجلاً قط أشد حياء ولا أعف من محمد، فوقع في نفس أختها خديجة، فبعثت إليه (١)، فقالت: ائت أبي فاخطب إليه، فقال: أبوك (٢) رجل كثير المال وهو لا يفعل، قالت: انطلق فالقه وكلمه، ثم أنا أكفيك. وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثيب في سنة ٢٨ ق هـ. وكَانَ عُمُرُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خَمْسًا وعِشْرِينَ سَنَةً، وذَلِكَ بَعْدَ رُجُوعِهِ منَ الشَّامِ بِشَهْرَيْنِ، وكَانَ عُمُرُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَوْمَئِذٍ أرْبَعِينَ سَنَةً، وَوَلَدَتْ لَهُ القَاسِمُ ثُمَّ زَيْنَبُ، ثمَّ رُقَيَّةُ، ثمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ، ثمَّ فَاطِمَةُ، ثُمَّ وُلِدَ لهُ فِي الإِسْلَامِ عَبْدُ اللَّهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُلَقَّبُ بالطَّيِّبِ والطَّاهِرِ؛ لأَنَّهُ وُلدَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجْمَعِينَ. وقَدْ مَاتَ بَنُوهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- من خديجة وهُمْ صِغَارٌ، فَمَاتَ القَاسِمُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ سِنًّا تُمَكِّنُهُ مِنَ المَشْيِ، وقِيلَ سِنًّا تُمَكِّنُهُ مِنْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ، ثُمَّ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ، وهُوَ طِفْلٌ صَغِيرٌ.

وَأَمَّا بَنَاتُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَكُلّهُنَّ من خديجة وقد أَدْرَكْنَ الإِسْلَامَ، وأَسْلَمْنَ، وعِشْنَ حَتَّى تَزَوَّجْنَ، وَكُلُّهُنَّ مِتْنَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، مَا عَدَا فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَدْ تُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.


(١) قيل أنها بعثت صَدِيقَتِهَا نَفِيسَةَ بِنْتِ مُنَيَّةَ، فَذَهَبَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ فَرَضِيَ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِذَلِكَ.
(٢) قول الجمهور: أن ولي خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في زواجها من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو: عمُّها عمرو بن أسد. وذكر بعضهم: أن أباها خُوَيْلد كان قد هَلك قبْلَ حَرْبِ الفِجَار. وقد تطلق العرب على العم أباً، فيكون المراد بالأب في الروايتين عم خديجة، إذا ثبت أن أباها كان متوفى وقتذاك، والله أعلم.

<<  <   >  >>