وفي جمادى الأولى من سنة ثمان للهجرة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى مؤتة. وكان عدة هذه السرية ثلاثة آلاف مقاتل، بينما روي أن عدة الروم كانت مائة ألف مقاتل. وقد أمر صلى الله عليه وسلم على الجيش زيد بن حارثة، ثم قال عليه الصلاة والسلام: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. وقد قتل الثلاثة كلهم في أرض المعركة التي دارت بينهم وبين الروم، فأخذ الراية ثابت بن أقرم، فقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل. فاصطلح الناس على خالد بن الوليد. فلما أخذ الراية دافع القوم، وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه، حتى انصرف بالناس، فتمكن من الانسحاب بمن معه من المسلمين. ونَعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ:"أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ - حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ". قال خالد بن الوليد رضي الله عنه:"لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَاّ صَفِيحَةٌ يَمَانِيَة". وهذا يقتضي أنهم أثخنوا في العدوّ قتلاً، ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم، ولهذا السبب ولغيره ذهب بعض المحققين إلى أن المسلمين قد انتصروا في هذه المعركة، ولم يهزموا.