ثم إنّ قريشاً في مكة أعلنت الحرب على المسلمين في المدينة ومنعت المهاجرين والأنصار من بيت الله الحرام، وأخذت أموال المهاجرين وبيوتهم، وهددت الأنصار بمقاتلتهم والسير إلى المدينة لقتلهم واستباحة نسائهم إن لم يطردوا المهاجرين من المدينة ويتخلوا عن نصرتهم. وقد تجرأت على المدينة بعض القبائل المجاورة بالإغارة على بعض سروح ومواشي أهل المدينة ونهبها. ونزل الإذن من الله تعالى بالقتال.
فعقد النبي صلى الله عليه وسلم ألوية السرايا وبعثها لإعزاز الإسلام وحماية عاصمته ومنع وتعقُّب المعتدين، وقد يكون في تلك البعوث والسرايا قتال، وقد لا يكون، ومنها ما يكون لرصد أخبار العدو و غيره، ومنها ما يكون لإشغال ومناوشة العدو وإخافته وإرباكه. وقد نكلت بعض تلك السرايا بقوافل تجارة قريش المحاربة والمحرضة على المسلمين والناهبة لأموال المهاجرين. وعرَّفت هذه السرايا المسلمين بالدروب والطرق حول المدينة المنورة، ودرَّبت الصحابة على فنون القتال وركوب الخيل والحرب على الإبل، وأشعرت القبائل المحيطة بقوة المسلمين، وأدبت المغيرين على سروح المدينة، ومكنت من عقد بعض المعاهدات مع بعض قبائل المنطقة بحسن الجوار والدفاع المشترك وضمان حيدتهم في حالة وقوع صدام مسلح بين المدينة وأهل مكة.