للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أيوب عليه السلام]

وإِنَّ أَيُّوبَ نَبِيَّ اللهِ - عليه السلام - لَبِثَ بِهِ بَلاؤُهُ ومرضُهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ، كَانَا مِنْ أَخَصِّ إِخْوَانِهِ، كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ ذَاتَ يَوْمٍ: تَعْلَمُ وَاللهِ، لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟، قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرحَمْهُ اللهُ فَيَكْشِفَ مَا بِهِ، فَلَمَّا رَاحَا إِلَى أَيُّوبَ، لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ أَيُّوبُ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ، غَيْرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ بِالرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ، فَيَذْكُرَانِ اللهَ، فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللهُ إِلَّا فِي حَقٍّ. ودعا أيوب ربه أن يكشف ما به من ضر، وَكَانَ أَيُّوبُ يَخْرُجُ لِحَاجَتِهِ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ، أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى أَيُّوبَ أَنِ: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} (١) فَاسْتَبْطَأَتْهُ، فَبَلَغَتْهُ تَنْظُرُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ واستجاب الله له، فَهو أَحْسَنُ مَا كَانَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: أَيْ بَارِكَ اللهُ فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللهِ هَذَا الْمُبْتَلَى؟ وَاللهِ عَلَى ذَلِكَ، مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا، قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هو، وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ: أَنْدَرُ الْقَمْحِ، وَأَنْدَرُ الشَّعِيرِ (٢)، فَبَعَثَ اللهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ، أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ، وَأَفْرَغَتِ الْأُخْرَى عَلَى أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ (٣) حَتَّى فَاضَ، وبَيْنَمَا أيُّوبُ - عليه السلام - يَغْتَسِلُ عُرْيَاناً، خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ - عز وجل -: يَا أيُّوبُ، أَلَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ أَلَمْ يَكْفِكَ مَا أَعْطَيْنَاكَ؟، قَالَ: بَلَى يَارَبِّ، وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَاتِكَ، عَنْ فَضْلِكَ.

وكان أقسم ليضربنَّ زوجته مائة جلدة إذا شفاه الله، لمَّا غضب عليها من أمر أثناء مرضه، وكانت امرأة صالحة؛ فأوحى الله إليه أن يأخذ بيده حُزمة شماريخ (٤)، ويضرب بها زوجته ضربة واحدة إبرارًا بيمينه، فلا يحنث. فخفف الله عنهما، وجمعه بأهله جميعاً، وزاده عليهم مثلهم من البنين والحفدة رحمة به، وجزاءً له على صبره.


(١) يعني: اضرب برجلك الأرض. فضرب برجله الأرض، فنبع له منها ماء يشرب منه ويغتسل، فيذهب ما به من الضر والأذى.
(٢) هو المكان الذى يوضع فيه القمح والشعير.
(٣) وهو: الفضة.
(٤) يعني: شماريخ النخل، وهي حزمة من العيدان التى كان عليها البسر. والتي تكون فيها العذوق.

<<  <   >  >>