ثم إنَّ بني إسرائيل اخْتَلَفُوا وتفرقوا فِي اتباع الْحَقِّ بَعْدَ أن هَدَاهُمْ الله وَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقَّ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ، وفضلهم على أهل زمانهم من الأمم المعاصرة لهم وبَعْدَ مَا قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وأخذ عليهم الميثاق، ولَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ؛ بَلْ عَلِمُوا الْحَقَّ وَلَكِنْ بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا يَبْغِي الْحَاسِدُ عَلَى الْمَحْسُودِ. وكان اختلافهم لِتَحَاسُدِهِمْ وَتَبَاغُضُهِمْ وَتَدَابُرِهِمْ، إذ كل فرقة تريد الرئاسة والسلطة الدينية والدنيوية لها دون غيرها، وحَمَلَهم البغيُ والعنادُ لغيرهم عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا، فَيَتَّبِعُ بعضهم هَوَاهُ وَيُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ وَهو يَعْرِفُ الْحَقَّ وَيَزِيغُ عَنْهُ.