للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[هبوط آدم وحواء وإبليس إلى الأرض]

وقال الله لآدم وزوجه وللشيطان: انزلوا إلى الأرض، بعضكم أعداء بعض، ولكم في تلك الأرض حياة واستقرار وبقاء وتَمَتُّعٌ بما فيها من خيرات إلى أن تنتهي آجالكم فتموتون، حتى تقوم الساعة يوم القيامة فتخرجون من الأرض وتبعثون.

وأُهبط آدم وزوجه حواء وأُهبط إبليس كذلك إلى الأرض، ومَا سَكَنَ آدَمُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وإِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخْرَجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ زَوَّدَهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَعَلَّمَهُ صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ، فَثِمَارُكُمْ هَذِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ تَغَيَّرُ وَتِلْكَ لَا تَغَيَّرُ.

وقال الله جل وعلا: (اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). وجعل الله آدم نبياً مرسلاً يدل بنيه على الهدى الذي علمه اللهُ. وأَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ - يَعْنِي عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟، قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا: إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ، أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}. (١)


(١) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟، قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} قَالَ: "جَمَعَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا، ثُمَّ صَوَّرَهُمْ، فَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا، ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمْ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا، اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي، وَلَا رَبَّ غَيْرِي، فلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وَإِنِّي سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلِي يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي، فَقَالُوا: شَهِدْنَا بِأَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا، لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ". قال ابن الأنباري: "مذهب أهل الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الْآية: أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وصلب أولاده وهم في صُوَرِ الذَّر، فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم، وأنهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن رَكَّبَ فيهم عقولاً عرفوا بها ما عرض عليهم، كما جعل للجبل عقلاً حين خوطب، وكما فعل ذلك للبعير لما سجد، والنخلة حتى سمعت وانقادت حين دُعِيَت"، وقال إسحاق بن راهويه: " وأجمع أهل العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، وأنه استنطقهم وأشهدهم ". وقد روى الحسن البصري -رحمه الله- عن الأسود بن سريع مرفوعاً: "أَلَا إنها ليست نسمة تولد إِلَّا ولدت على الفطرة ... " الحديث. ثم قال الحسن عَقِبَه: ولقد قال الله ذلك في كتابه: (وإذ أخذ ربك ... ) الْآية.

<<  <   >  >>