للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إخبار الله الملائكة بخلق البشر]

وأخبر الله ملائكته أنه سيجعل في الأرض بشرًا يخلُف بعضهم بعضًا، للقيام بعمارتها على طاعة الله، فسأل الملائكةُ ربَّهم -سؤال استرشاد واستفهام- عن الحكمة من جعل بني آدم خلفاء في الأرض، وهم سيفسدون فيها، ويريقون الدماء ظلمًا (١)، قائلين: ونحن أهل طاعتك، نُنَزّهُك حامدين لك، ومعظّمين جلالك وكمالك، لا نفتُرُ عن ذلك.

وَقَدْ كَانَ فِي الأرض -قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ آدم بِأَلْفَيْ عَامٍ-الْجِنُّ بَنُو الْجَانِّ، فَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، وَسَفَكُوا الدِّمَاءِ، فبَعَثَ الله عَلَيْهِمْ جُنُودًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَضَرَبُوهُمْ حَتَّى أَلْحَقُوهُمْ بِجَزَائِرِ الْبُحُورِ، ولذلك سأل الْمَلَائِكَةُ ربهم: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا"؟ أي: كَمَا فَعَلَ أُولَئِكَ الْجِنُّ بَنُو الْجَانِّ؟، فأجابهم الله عن سؤالهم: "إني أعلم ما لا تعلمون" (٢) أي: من الحِكَم الباهرة في خلقهم، والمقاصد العظيمة من استخلافهم.

ولبيان منزلة آدم عليه السلام علَّمه الله تعالى أسماء الأشياء كلها من الحيوان والجماد؛ ألفاظها ومعانيها، ثم عرض تلك المسمَّيات على الملائكة قائلًا: أخبروني بأسمائها إن كنتم صادقين فيما تظنون أنكم أكرم من هذا المخلوق وأفضل منه. فقالوا -مُعْترِفين بنقصهم مُرْجِعين الفضل إلى الله-: نُنَزّهُك ونعظِّمك يا ربَّنا عن الاعتراض عليك في حُكمك وشرعك، فنحن لا نعلم شيئًا إلا ما رزقتنا علمه، إنك أنت العليم الَّذي لا يخفى عليك شيء، الحكيم الَّذي تضع الأمور في مواضعها من قدرك وشرعك. وعندئذ أمر الله تعالى آدمَ أن يخبرهم بأسماء تلك المسمَّيات، فلما أخبرهم كما علَّمه ربه؛ قال الله للملائكة: ألم أقل لكم: إني أعلم ما خفي في السماوات وفي الأرض؟ وأعلم ما تُظْهرون من أحوالكم وما تحدِّثُون به أنفسكم.


(١) لعل الله سبحانه أخبر الملائكة أن البشر سيفسدون في الأرض، أو أنهم قاسوههم على الجن إذ أفسدوا لأنهم غير مفطورين على الطاعة، والله أعلم.
(٢) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الذهبي. ورواه ابن أبي حاتم بسند صحيح في تفسيره عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

<<  <   >  >>