للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذبح الموت بين الجنة والنار]

وتَحَاجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتْ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعُجَّزُهُمْ؟، فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ يُقَالُ لِجَهَنَّم: هَلْ امْتَلَأتِ؟، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟، ثُمَّ يُطْرَحُ فِيهَا فَوْجٌ، فَيُقَالُ: هَلْ امْتَلَأتِ؟، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟، حَتَّى إِذَا أُوعِبُوا فِيهَا فلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَتَقُولُ: قَطْ، قَطْ، قَطْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ. وَلَا يَظْلِمُ اللهُ -عز وجل- مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيَبْقَى فِيهَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَبْقَى فَيُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ. فَإِذَا أَدْخَلَ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، أُتِيَ بِالْمَوْتِ كَبْشًا أَمْلَحاً مُلَبَّبًا (١) فَيُوقَفُ عَلَى السُّورِ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمْ الَّذِي هُمْ فِيهِ. ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمْ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَيَرَوْنَ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ. فَيُقَالُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ -وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ- فَيَقُولُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ: قَدْ عَرَفْنَاهُ، هُوَ الْمَوْتُ الَّذِي وُكِّلَ بِنَا. فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُضْجَعُ، فَيُذْبَحُ ذَبْحًا عَلَى السُّورِ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.


(١) فِي الْقَامُوسِ لَبَّبَهُ تَلْبِيبًا جَمَعَ ثِيَابَهُ عِنْدَ نَحْرِهِ فِي الْخُصُومَةِ ثُمَّ جَرَّ. كأنه أخذ بتلابيبه، وهو استعارة، والأخذ بالتلابيب: أن يجمع على الإنسان ثوبه، ويأخذ بمقدمه فيجر به.

<<  <   >  >>