للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[اضطهاد الآريوسيين الموحدين]

ثُمَّ تَظَاهَرَت الفرقُ الْكَافِرَة (الْمَلَكِيَّةِ والنَّسْطُورِيَّةِ والْيَعْقُوبِيَّةِ) عَلَى الْمُسْلِمَةِ (الْأَرْيُوسِيَّةِ)، فَقَاتَلُوهَا وحرضوا عليها الملك.

وكَانَ فِي الْأَرْيُوسِيِّين النصارى مُؤْمِنُونَ موحدون يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ، فَقِيلَ للملك قسطنطين: مَا نَجِدُ شَتْمًا أَشَدَّ مِنْ شَتْمِ هَؤُلَاءِ، إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} وَهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ يَعِيبُونَ بِهَا أَعْمَالَنَا فِي قِرَاءَتِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَلْيَقْرَءُوا كَمَا نَقْرَأُ، وَلْيُؤْمِنُوا كَمَا آمَنَّا، فَدَعَاهُمْ فَجَمَعَهُمْ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ، أَوْ يَتْرُكُوا قِرَاءَةَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَّا مَا بَدَّلُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِكَ؟، دَعُونَا. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَةً، ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْطُونَا شَيْئًا نَرْفَعُ بِهِ طَعَامَنَا وَشَرَابَنَا، فلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: دَعُونَا نَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَنَهِيمُ، وَنَشْرَبُ كَمَا يَشْرَبُ الْوَحْشُ، فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا فِي أَرْضِكُمْ فَاقْتُلُونَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مِنْهُمْ ابْنُوا لَنَا دُورًا فِي الْفَيَافِي وَنَحْتَفِرُ الْآبَارَ، وَنَحْتَرِثُ الْبُقُولَ، فلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ وَلَا نَمُرُّ بِكُمْ، -وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْقَبَائِلِ إِلَّا وَلَهُ حَمِيمٌ فِيهِمْ- فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وتفرق أصحابها فَسَكَنُوا الْبَرَارِيَ وَالْبَوَادِيَ وَبَنَوُا الصَّوَامِعَ وَالدِّيَارَاتِ وَالْقَلَّايَاتِ وَقَنِعُوا بِالْعَيْشِ الزَّهِيدِ، وقد قال الله فيهم: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ، فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} وَالْآخَرُونَ (١) قَالُوا: نَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ، وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ، وَنَتَّخِذُ دُورًا كَمَا اتَّخَذَ فُلَانٌ، وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ، لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِ.


(١) يعني: قلدهم آخرون -من النصارى المشركين- في الرهبنة دون أن يأخذوا منهم عقيدة التوحيد.

<<  <   >  >>