وأُمِر الملائكةُ بالسجود لآدم سجود تقدير واحترام، فسجدوا مسارعين لامتثال أمر الله، إلا إبليس الَّذي كان من الجن، فامتنع اعتراضًا على أمر الله له بالسجود وتكَبُّرًا على آدم، فصار بذلك من الكافرين بالله تعالى.
والله -وهو عالِم بكل شيء- قال توبيخًا لإبليس: أي شيء منعك من امتثال أمري لك بالسجود لآدم؟؛ أمنعك من السجود التكبر؟، فقال إبليس مجيبًا ربه: منعني أني أفضل منه، فقد خلقتني من نار، وخلقته هو من طين، والنار أشرف من الطين.
فأخرج اللهُ إبليسَ من الجنة مذمومًا مطرودًا من رحمة الله؛ لأن الجنة دار الطيِّبين الطاهرين، وليست للمستكبرين.
فقال إبليس: يا رب، أمهلني إلى يوم البعث حتى أغوي من أستطيع إغواءه من الناس.
قال له الله: إنك -يا إبليس- من المُمْهَلين الذين كتبت عليهم الموت يوم النفخة الأولى في الصور حين يموت الخلق كلهم، ويبقى خالقهم وحده.
فقال إبليس: بسبب إضلالك إياي حتى تركتُ امتثال أمرك بالسجود لآدم لأُقْعُدَنَّ لبني آدم لأصرفهم وأضلهم عن صراطك المستقيم كما ضَلَلْتُ أنا عن السجود لأبيهم آدم، ثم لآتِينَّهم من جميع الجهات بالتزهيد في الآخرة، والترغيب في الدنيا، وإلقاء الشبهات، وتحسين الشهوات، ولا تجد -يا رب- أكثرهم شاكرين لك؛ لما أمليه عليهم من الكفر.