للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[غزوة أحد]

وكانت غزوة أحد يومَ السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة، وكان سببها أن المشركين حين قُتل من قتل من أشرافهم يوْمَ بَدْر، وسَلمَت العيرُ بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سُفْيان، فلما رجع قفَلُهُم إلى مكة قال أبناء من قُتل، ورؤساء من بقي لأبي سفيان: ارصد هذه الأموال لقتال محمد، فأنفقوها في ذلك، وجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في قريب من ثلاثة آلاف، حتى نزلوا قريبًا من أحد تِلْقاء المدينة، فصلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعة، فلما فَرَغَ منها صَلى على رجل من بني النجار، يقال له: مالك بن عَمْرو، واستشار الناس: أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة؟ فأشار عبد الله بن أُبيّ بالمقام بالمدينة، فإن أقاموا أقاموا بشِرِّ مَحْبس وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين. وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدراً بالخروج إليهم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمَتَه وخرج عليهم، فسار في ألف من أصحابه، فلما كان بالشَّوط رجع عبد الله بن أبيّ في ثُلُث الجيش مُغْضَباً؛ لكونه لم يرجع إلى قوله، وقال هو وأصحابه: لو نعلم اليوم قتالاً لاتبعناكم، ولكنا لا نراكم تقاتلون اليوم. واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سائراً حتى نزل الشِّعْب من أُحُد في عَدْوَةِ الوادي. وجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه، وأمَّر على الرماة عبد الله بن جُبَيْر أخا بني عَمْرو بن عوف، والرماة يومئذ خمسون رجلاً. وظاهر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين درعين (١)، وأعطى اللواء مُصْعَب بن عُمَير أخا بني عبد الدار. وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغِلْمان يومئذ وأرجأ آخرين، حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين. وتعبَّأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فَرَس قد جَنَبوها فجعلوا على مَيْمَنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عِكْرِمة بن أبي جَهْل، ودفعوا إلى بني عبد الدار اللواء. ثم كان بين الفريقين ما كان، وكانت بوادر النصر تلوح لصالح المسلمين فلما رأى المسلمون تقهقر المشركين أهمل الرماة وصية نبيهم لهم ونزلوا يحصدون الغنائم فانتهز خالد بن الوليد الفرصة فالتف خلفهم وأعمل الحرب فيهم مما أدى لقلب الموازين وانجلت المعركة عن استشهاد سبعين رجلاً من المسلمين منهم سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه.


(١) ظاهر: لبسهما فوق بعضهما. لبس درعاً فوق درع.

<<  <   >  >>