للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السنة السادسة من الهجرة]

[غزوة ذِي قَرَد وقصة سلمة بن الأكوع]

وفي المحرم منها وقعت غزوة ذِي قَرَد، وفيها أَغار عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنٍ الفَزَارِي في بني عبداللهِ بن غَطَفَانَ على لِقَاحِ النبي صلى الله عليه وسلم التي بالغابة، فاستاقها، وقتل راعِيَهَا -وهو ابن أبي ذر الغفاري-، واحتملوا امرأته. ونودي: يا خَيْلَ اللهِ ارْكَبي، وكان أول ما نُودي بها، ورَكِبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُقنَّعاً في الحديد، فكان أول مَنْ قدم إليه المقدادُ بن عمرو في الدِّرع والمِغْفَرِ، فَعَقَدَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اللِّواءَ في رُمحه، وقال: "امْضِ حتَّى تلحقك الخيولُ، إنَّا عَلَى أَثَرِكَ". وأدركَ سلمةُ بنُ الأكوع القومَ، وهو على رِجليه، فجعلَ يرميهم بالنَّبْلِ ويَقُول: خُذْهَا وَأنَا ابْنُ الأَكْوَع والْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّع حتى انتهى إلى ذي قَرَدٍ وقد استنقذَ مِنهم جميعَ اللِّقَاح حَتَّى أَلقوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا، وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً يَسْتَخِفُّونَ مِنْهَا. قال سلمة: فَلَحِقَنَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والخيلُ عِشاءً. فَمَضَتِ الْخَيْلُ حَتَّى لَحِقُوا بِالْقَوْمِ، فَقَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ حَبِيبَ بْنَ قُتَيْبَةَ، وَأَدْرَكَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ عَمْرٍو أَوْبَارًا وَأَبَاهُ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ عَلَى بَعِيرٍ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُمَا. وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةُ ابن أبي ذر الْغِفَارِيِّ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ نَذَرْتُ لِلَّهِ نَذْرًا أَنْ أَنْحَرَهَا إِنْ نَجَّانِي اللهُ عَلَيْهَا، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: "بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا أَنْ حَمَلَكِ اللهُ عَلَيْهَا وَنَجَّاكِ بِهَا، إِنَّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا تَمْلِكِينَ، إِنَّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إِبِلِي، ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ". قال سلمة: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إن القومَ عِطاش، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذتُ ما في أيديهم من السَّرْح، وأخذتُ بأَعناق القوم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَلَكْتَ فَأسْجِحْ" (١)، ثم قالَ: إنَّهُم الآنَ لَيُقْرَوْنَ في غَطَفَان، وذهب الصريخُ بالمدينة إلى بني عَمْرو بن عوف، فجاءت الأمدادُ ولم تزلِ الخيلُ تأتي، والرجالُ على أقدامهم وعلى الإبل، حتى انْتَهَوْا إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بذي قَرَدٍ.


(١) أسجِح: أي: أحسِن و ارفِق.

<<  <   >  >>