للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال أبوهم يعقوبُ: إنِّي لَيؤلِمُ نفسي ذهابُكم به، ومُفارقتُه لي، وأخشى أن يأكُلَه الذِّئبُ وأنتم عنه غافِلونَ، فقال إخوةُ يوسُفَ لوالِدِهم: لئنْ أكَلَه الذِّئبُ ونحن جماعةٌ قويَّةٌ، إنَّا إذًا لخاسِرونَ، لا خيرَ فينا، ولا نَفعَ يُرْجَى منَّا.

فلمَّا أقنعوا أباهم وطمأنوه؛ ذهبَ إخوةُ يوسُفَ به وأجمَعوا على إلقائِه في جَوفِ البِئرِ، وفعَلوا به ما فعلوا من الأذى، وأخذوا منه قميصه، وذبحوا سخلة (شاة وليدة) فأخذوا دمها فلطخوا به القميص، وأوحَى الله إلى يوسُفَ أنه سيخبر إخوته مُستقبَلًا بفِعلِهم هذا الذي فعَلوه به، وهم لا يَعلَمونَ أنَّه أخوهم يوسُفُ.

ثم رجع إخوةُ يوسُفَ إلى أبيهم في وقتِ العِشاءِ يَتباكونَ، وأتوا في وقت الظلمة حتى لا يرى أعينهم ويدرك تحايلهم، وهم يُظهِرونَ الأسفَ والجَزعَ، وقالوا: يا أبانا إنَّا ذَهَبْنا نتسابَقُ، وترَكْنا يوسُفَ عند زادِنا وثيابِنا فأكَلَه الذِّئبُ، ونعلم أنك لن تصدقنا. ثم جاؤوا بقميصِه مُلطَّخًا بدَماء ليست بدَمِ يوسُفَ؛ لكي يبرهنوا صِدقِهم، وقيل أنهم: نسوا أن يمزقوا القميص، فكان دليلًا على كَذِبِهم، فكيف يأكل الذئب طفلاً دون تمزيق قميصه؟!

فقال لهم أبوهم يعقوبُ عليه السَّلامُ: ليس الأمرُ كما تقولونَ، بل زيَّنَت لكم أنفُسُكم الأمَّارةُ بالسُّوءِ أمرًا قبيحًا في يوسُفَ، فرأيتُموه حسَنًا وفعَلتُموه، فصبري صبرٌ جميلٌ لا شكوى معه لأحدٍ مِن الخَلقِ، وأستعينُ باللهِ على احتمالِ ما تَصِفونَ مِن الكَذِب، لا على حَولي وقوَّتي.

<<  <   >  >>