فلمَّا جاوَزوا موطنهم في طريقهم إلى ملاقاة العدوِّ، أعلمهم طالوت أنَّ الله مختبرُهم بنَهَرٍ؛ ليُظهِر الكاذب من الصادق، ويتميَّز الصابر من الجازع، وأَعلن طالوتُ براءتَه مِن كلِّ مَن يَشربُ منه، وأنَّه لن يَصحبَه مع الجيش إلى القِتال، وأنَّ مَن لم يَطْعَمه- إلَّا أن يَغترِفَ بكفِّه غرفةً واحدة- فإنَّه منه، فشَرِب معظمُهم، ولم يُطعِ الأمر إلا قليلٌ منهم ممَّن وفقهم الله تعالى وثبَّتهم.
فلمَّا تعدَّى طالوت النهر ومَن آمن معه، ممَّن أطاعوه فلم يشربوا من النهر أو شربوا غرفة واحدة- قال بعضُهم لَمَّا رأَوا من كثرة أعدائهم مقارنة بعددهم القليل: لا قُدرةَ لنا هذا اليوم بقتال جالوت وجنودِه؛ لكثرة عددِهم وعَتادهم، فحينها قال لهم الموقِنون برُجوعهم إلى الله تعالى: ما أكثرَ ما تغلبُ الجماعةُ القليلة الجماعةَ الكثيرة! وذلك بمشيئة الله عزَّ وجلَّ؛ فلا تفيد الكثرةُ مَن خَذَله الله، ولا تضرُّ القِلَّةُ مَن وفَّقه الله، والله سبحانه مع الصَّابرين.
ولَمَّا ظهَر المؤمنون- طالوتُ وجُنوده- لجالوتَ وجُنودِه، دعا أهلُ الإيمان ربَّهم أن يُلهِمَهم الصَّبر، ويثبِّت أقدامَهم، وأنْ ينصرَهم على أهل الكفر، فاستجاب الله دُعاءَهم، وغلَب المؤمنون عدوَّهم، وكان داودُ عليه السلام من جنود طالوت، فسلَّطه اللهُ على جالوت فقتله، وأعطا الله داودَ المُلكَ والنبوَّة وآتاه من العِلم ما يشاء سبحانه.