للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فألقاه الحوت بِالْعَرَاءِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْقَفْرُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْجَارِ، بَلْ هُوَ عَارٍ مِنْهَا {وَهُوَ سَقِيمٌ} ضَعِيفُ الْبَدَنِ. كَهَيْئَةِ الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ، وَهُوَ الْمَنْفُوسُ، لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} وهي شَجَرَةُ الْقَرْعُ (الدُّبَّاءِ). وفِي إِنْبَاتِ الْقَرْعِ عَلَيْهِ حِكَمٌ جَمَّةٌ؛ مِنْهَا أَنَّ وَرَقَهُ فِي غَايَةِ النُّعُومَةِ، وَكَثِيرٌ وَظَلِيلٌ، وَلَا يَقْرَبُهُ ذُبَابٌ، وَيُؤْكَلُ ثَمَرُهُ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِهِ إِلَى آخِرِهِ، نِيئًا وَمَطْبُوخًا، وَبِقِشْرِهِ وَبِبِزْرِهِ أَيْضًا، وَفِيهِ نَفْعٌ كَثِيرٌ، وَتَقْوِيَةٌ لِلدِّمَاغِ. ولمّا طُرِحَ يُونُسُ بِالْعَرَاءِ؛ هَيَّأَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَرْوِيَةً (١) وَحْشِيَّةً تَأْكُلُ مِنْ حَشِيشِ الأَرْضِ، فَتَجِيءُ، فَتَفْشِجُ لَهُ (٢)، وَتَرْوِيهِ مِنْ لَبَنِهَا كُلَّ عَشِيَّةٍ وبُكْرَةٍ، حَتَّى نَبَتَ (٣). وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِهِ، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} أَيِ؛ الْكَرْبِ وَالضِّيقِ الَّذِي كَانَ فِيهِ {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}.

ومَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى؛ أَصَابَ ذَنْبًا، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ.

و نِعَمْ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ هُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ {لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا اسْتَجَابَ لَهُ.


(١) الأنثى من الوعول.
(٢) تفرج بين رجليها.
(٣) يَعْنِي تعافى ونبت لَحْمَهُ وقوي.

<<  <   >  >>