للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ الْمَلَكُ، فَقَامَ الْحِمَارُ رَافِعًا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، نَاهِقًا يَظُنُّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا}؛ يَعْنِي انْظُرْ إِلَى عِظَامِ حِمَارِكَ كَيْفَ نُرَكِّبُ بَعْضَهَا بَعْضًا فِي أَوْصَالِهَا، حَتَّى إِذَا صَارَتْ عِظَامًا مُصَوَّرًا حِمَارًا بِلَا لَحْمٍ، ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ نَكْسُوهَا لَحْمًا، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَغَيْرِهِ. فَرَكِبَ حِمَارَهُ حَتَّى أَتَى مَحِلَّتَهُ فَأَنْكَرَهُ النَّاسُ، وَأَنْكَرَ النَّاسَ، وَأَنْكَرَ مَنَازِلَهُمْ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَهَمٍ مِنْهُ، حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ، فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ قَدْ أَتَى عَلَيْهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، كَانَتْ أَمَةً لَهُمْ، فَخَرَجَ عَنْهُمْ عُزَيْرٌ وَهِيَ بِنْتُ عِشْرِينَ سَنَةً، كَانَتْ عَرَفَتْهُ وَعَقَلَتْهُ، فَلَمَّا أَصَابَهَا الْكِبَرُ أَصَابَهَا الزَّمَانَةُ فَقَالَ لَهَا عُزَيْرٌ: يَا هَذِهِ أَهَذَا مَنْزِلُ عُزَيْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ هَذَا مَنْزِلُ عُزَيْرٍ. فَبَكَتْ وَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ كَذَا وَكَذَا سَنَةٍ يَذْكُرُ عُزَيْرًا وَقَدْ نَسِيَهُ النَّاسُ. قَالَ: فَإِنِّي أَنَا عُزَيْرٌ، كَانَ اللَّهُ أَمَاتَنِي مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ بَعَثَنِي. قَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! فَإِنَّ عُزَيْرًا قَدْ فَقَدْنَاهُ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ. قَالَ: فَإِنِّي أَنَا عُزَيْرٌ. قَالَتْ: فَإِنَّ عُزَيْرًا رَجُلٌ مُسْتَجَابُ الدَّعْوَةِ، يَدْعُو لِلْمَرِيضِ وَلِصَاحِبِ الْبَلَاءِ بِالْعَافِيَةِ وَالشِّفَاءِ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ بَصَرِي حَتَّى أَرَاكَ، فَإِنْ كُنْتَ عُزَيْرًا عَرَفْتُكَ. قَالَ: فَدَعَا رَبَّهُ وَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى عَيْنَيْهَا فَصَحَّتَا وَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ: قُومِي بِإِذْنِ اللَّهِ. فَأَطْلَقَ اللَّهُ رِجْلَيْهَا، فَقَامَتْ صَحِيحَةً كَأَنَّمَا نَشِطَتْ مِنْ عِقَالٍ، فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عُزَيْرٌ وَانْطَلَقَتْ إِلَى مَحِلَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ، وَابْنٌ لِعُزَيْرٍ شَيْخٌ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَثَمَانِي عَشْرَ سَنَةً وَبَنُو بَنِيهِ شُيُوخٌ فِي الْمَجْلِسِ، فَنَادَتْهُمْ فَقَالَتْ: هَذَا عُزَيْرٌ قَدْ جَاءَكُمْ. فَكَذَّبُوهَا، فَقَالَتْ: أَنَا فُلَانَةٌ مَوْلَاتُكُمْ دَعَا لِي رَبَّهُ، فَرَدَّ عَلَيَّ بَصَرِي وَأَطْلَقَ رِجْلَيَّ، وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَاتَهُ مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ بَعَثَهُ. فَنَهَضَ النَّاسُ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَقَالَ ابْنُهُ: كَانَ لِأَبِي شَامَةٌ سَوْدَاءُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. فَكَشَفَ عَنْ كَتِفَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عُزَيْرٌ، فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِينَا أَحَدٌ حَفِظَ التَّوْرَاةَ فِيمَا حُدِّثْنَا غَيْرُ عُزَيْرٍ، وَقَدْ حَرَّقَ بُخْتُ نَصَّرَ التَّوْرَاةَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا مَا حَفِظَتِ الرِّجَالُ؛ فَاكْتُبْهَا لَنَا. وَكَانَ أَبُوهُ سَرُوخَا قَدْ دَفَنَ التَّوْرَاةَ أَيَّامَ بُخْتُ نَصَّرَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ غَيْرُ عُزَيْرٍ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَحَفَرَهُ فَاسْتَخْرَجَ التَّوْرَاةَ، وَكَانَ قَدْ عَفِنَ الْوَرَقُ، وَدَرَسَ الْكِتَابُ.

<<  <   >  >>