للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ (١) الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى (٢) يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ "، فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ، أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ. وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً، ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع، وليحصل له التشوف إلى العود، فلما حصل له ذلك، وأخذ يرتقب مجيء الوحي؛ أكرمه الله بالوحي مرة ثانية.


(١) النَّامُوسُ فِي اللُّغَةِ: صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ، وأَرَادَ بهِ جِبْرِيلَ عليهِ السَّلامُ؛ لأنَّ اللَّه تَعَالَى خصَّهُ بالوَحْيِ والغَيْبِ اللَّذَيْنِ لا يَطَّلعُ عليهمَا غيرُه.
(٢) قال ابن حجر: وَقَوْلُهُ عَلَى مُوسَى وَلَمْ يَقُلْ عَلَى عِيسَى مَعَ كَوْنِهِ نَصْرَانِيًّا لِأَنَّ كِتَابَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ .. أَوْ لِأَنَّ مُوسَى بُعِثَ بِالنِّقْمَةِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ .. أَوْ قَالَهُ تَحْقِيقًا لِلرِّسَالَةِ لِأَنَّ نُزُولَ جِبْرِيلَ عَلَى مُوسَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِخِلَافِ عِيسَى فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ يُنْكِرُونَ نُبُوَّتَهُ ... نَعَمْ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إِلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِه الْقِصَّة أَن خَدِيجَة أَولا أَتَت ابن عَمِّهَا وَرَقَةَ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: "لَئِنْ كُنْتِ صَدَقْتِنِي إِنَّهُ لَيَأْتِيهِ نَامُوسُ عِيسَى الَّذِي لَا يُعَلِّمُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَبْنَاءَهُمْ". فَعَلَى هَذَا فَكَانَ وَرَقَةُ يَقُولُ تَارَةً نَامُوسُ عِيسَى وَتَارَةً نَامُوسُ مُوسَى، فَعِنْدَ إِخْبَارِ خَدِيجَةَ لَهُ بِالْقِصَّةِ قَالَ لَهَا نَامُوسُ عِيسَى بِحَسَبِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَعِنْدَ إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَالَ لَهُ نَامُوسُ مُوسَى لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، وَكُلٌّ صَحِيحٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <   >  >>