فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك، فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتى ابْنُ الدَّغِنَةِ إلى أبي بكر، فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله - عز وجل - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بمكة - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين: إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين - وهما الحرتان -، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة. فاستأذن أبو بكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخروج حين اشتد عليه الأذى، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" لا تعجل، لعل الله يجعل لك صاحباً، فإني أرجو أن يؤذن لي "، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟، قال:" نعم، إني لأرجو ذلك "، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر - وهو الخبط -، قالت: فلما أذن له في الخروج إلى المدينة؛ أتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ظهراً متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فلما رآه أبو بكر جاء ظهراً قال: ما جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الساعة، إلا لأمر حدث، فلما دخل عليه قال لأبي بكر:"أخرج من عندك "، فقال أبو بكر: يا رسول الله ليس عليك عين، إنما هما ابنتاي - يعني عائشة وأسماء -، إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال:" فإني قد أذن لي في الخروج إلى المدينة "، فقال أبو بكر: يا رسول الله الصحبة؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الصحبة "، قالت عائشة: فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح، قال: يا رسول الله، عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج فخذ إحداهما. قال:" قد أخذتها بالثمن ". فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - إحداهما - وهي الجدعاء -.