للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وهو مردف أبا بكر - رضي الله عنه - وكان أبو بكر يختلف إلى الشام، وكان يعرف، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف. فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر، من هذا الرجل الذي بين يديك؟، فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير.

ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و لقي الزبير في ركب من المسلمين، كانوا تجاراً قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر ثياب بياض. وقدما المدينة ليلاً. (١) فلما دنوا من المدينة، نزلا الحرة، ثم بعثا رجلاً من أهل البادية ليؤذن بهما الأنصار.

وكان المسلمون بالمدينة سمعوا مخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة، فكانوا يغدون (٢) كل غداة إلى الحرة فينتظرونه، حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم، أوفى رجل من يهود على أطم (٣) من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه بظهر الحرة، واستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار، حتى انتهوا إليهما فجاءوا إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين، فركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وحفوا حولهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبي الله، جاء نبي الله.

فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك.


(١) يعني: أنهم وصلوا إليها ليلًا، إلا أنهم أقاموا خارجًا منها، ثم دخلوها نهارًا، وهذا مبيَّن في حديث عائشة رضي الله عنها. وقد أطبق أهل السِّير على: أنه دخل المدينة يوم الإثنين، وأكثرهم يقول: لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ضحى ذلك اليوم، وقيل: عند استواء الشمس منه.
(٢) الغدو: السير والذهاب أول النهار.
(٣) الأطم: البناء المرتفع.

<<  <   >  >>