ولا عجب أن يقول أبو ذر - رضي الله عنه:"تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمًا". حتى قَالَ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ لسَلْمَانَ الفارسي -رضي الله عنه- وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! فَقَالَ:"أَجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ". وقال عمرو بن أخطب -رضي الله عنه-: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا". وقال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: "خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خُطْبَةً مَا تَرَكَ فِيهَا شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، فَمَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْهُ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ، فَأَرَاهُ، فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ".
ولما تفرقت تلك الروايات التي تحكي قصة الوجود والغاية من الخلق ونظام الحياة ونهاية الدنيا وتشعبت في الكتب؛ حرصت أن أجمع منها خلاصة غنية موجزة في سياق قصة تجمع أصول العلم الثابت وجوامع الحديث الصحيح وأهم أحداث التاريخ، لتحكي بنسق مترابط أبرز وأهم أحداث قصة الوجود والخلق والطريق في هذه الحياة وما فيه من تدافع الحق والباطل وأبرز أخبار الأمم وما سيكون إلى حياة الخلود.