للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك "، فقمت، وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، فوالله ما زالوا يؤنبوني، حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟، قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟، قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين، قد شهدا بدرا فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامي وكلام صاحبي، ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا، فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟، ثم أصلي قريباً منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي، أقبل إليّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عنّي فلبثت كذلك، حتى طالت عليّ جفوة الناس وما من شيء أهم إليّ من أن أموت، فلا يصلي عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة، فلا يكلمني أحد منهم، ولا يصلّي ولا يسلم عليّ، فمشيت حتى تسورت (١) جدار حائط أبي قتادة - وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي - فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمني أحب الله ورسوله؟، فسكت، فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدار،


(١) تسوّر: تسلق وصعد السور أو الحائط.

<<  <   >  >>